كيف يمكن أن تتطوّر الأمور بين بكين وواشنطن حول تايوان؟
شارل أبي نادر
في الساعات الأخيرة، أعلنت وزارة الدفاع الصينية أنّ مناوراتها العسكرية قرب جزيرة تايوان جرت “لحماية السيادة الوطنية”، ورداً على “تآمر” سلطات الجزيرة مع الولايات المتحدة.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، تان كه في، فإنّ “المنطقة الشرقية للقيادة القتالية للجيش الصيني نظّمت مؤخراً تدريبات لاختبار الجاهزية القتالية في الأجواء وفي المياه في منطقة تايوان، بمشاركة مختلف القوات”.
صحيح أنَّ التدريبات والمناورات العسكرية الصينية لم تتوقف أبداً في مضيق تايوان والمياه المحيطة بالجزيرة، وخصوصاً الشمالية الغربية الممتدة بين تايوان وسواحل الصين الجنوبية الشرقية، ولكن هناك أكثر من نقطة لافتة في الموضوع اليوم تواكبت مع هذه التدريبات التي تتميز عن سابقاتها، وتحمل بعداً استثنائياً يتمحور حول موقف الولايات المتحدة الأميركية في حال اتخذت الصين قراراً جدياً بعمل عسكري في تايوان.
هذه النقاط هي:
– التوتّر غير المسبوق دولياً على خلفية الحرب في أوكرانيا، وما يرتبط بهذه الحرب من اصطفافات عالمية واستنفار متبادل يحمل نسبة كبيرة من إمكانية تطور المواجهات إلى حرب عالمية أو غير تقليدية، بالتزامن مع تدهور اقتصادي واسع تتجه تداعياته إلى ما يشبه المجاعة العالمية.
– الخلاف الصّيني – الأميركي الَّذي يتجاوز ملفّ تايوان، مع أهميته وحساسيّته، وذلك على خلفية عدم مسايرة بكين لمناورة واشنطن، القاضية بتوسيع الضغط السياسي والاقتصادي على روسيا، بهدف إخضاع الأخيرة لوقف عمليتها العسكرية في أوكرانيا، فكانت الصين، على الأقل بموقفها غير السلبي مع روسيا، إذا لم نقل الداعم، المعرقل الأكبر لاستراتيجية إخضاع الروس اقتصادياً، الأمر الذي وضع بكين أميركياً في خانة الخصم الأكثر إيذاءً لسياستهم.
– التحدّي العالي النبرة الذي أظهره الرئيس الأميركي جو بايدن ضد الصين في زيارته الأخيرة لدول شمال المحيط الهادئ وجزرها، وخصوصاً اليابان وكوريا الجنوبية وبعض دول حوض بحر الصين الجنوبي، وتصريحاته المليئة بالتصويب المباشر على بكين، والتي تضمّنت إشارة واضحة إلى استعداده للدفاع عن هذه الدول الحليفة له والوقوف معها في مواجهة الصين.
– اتخاذ بايدن موقفاً متشدداً في ملف تايوان، من خلال إعلانه استعداد بلاده للدفاع عنها عسكرياً في وجه أي هجوم صيني، وذلك في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، إذ قال: “نواصل التزامنا بدعم السلام والأمن في مضيق تايوان، ونعتزم فعل ما يلزم لمنع تغيير حالة الوضع الراهن من جانب واحد”، إضافة إلى تجاهله عمداً ما دأبت عليه الدبلوماسية الأميركية في التزامها عدم الإشارة إلى استقلال تايوان أو إلى ما يثير حساسية بكين حول الموضوع، وذلك من خلال اتخاذه موقفاً واضحاً في الدعم العسكري المفتوح للجزيرة “الصينية” تاريخياً وجغرافياً وقومياً.
ثمة حدث آخر يمكن البناء عليه لناحية إمكانية تطور الأمور في تلك المنطقة، هو قيام مجموعة جوية مشتركة صينية – روسية، مكونة من حاملات صواريخ استراتيجية من طراز “تو 95 أم سي” تابعة للقوات الجوية الروسية، وقاذفات استراتيجية من طراز “هون 6 بي” تابعة للقوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني، بدوريات جوية فوق مياه بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، بمدة تحليق تجاوزت 13 ساعة، وبمرافقة المقاتلة الروسية “سو 30 أس أم”.
من ناحية الدفاع عن تايوان، تجاوز الرئيس الأميركي سياسة واشنطن التاريخية في هذا الموضوع، والتي تدخل ضمن عنوان “الغموض الاستراتيجي”، وتساعد واشنطن تايوان بموجبها في بناء دفاعاتها وتعزيزها، من دون التعهد صراحة بتقديم مساعدة في حال حدوث هجوم، الأمر الذي سارع إلى تأكيده وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن – عقب تصريحات بايدن – قائلاً إن الرئيس قصد أن يسلّط الضوء على التزامنا بموجب قانون العلاقات مع تايوان، للمساعدة على أن نوفر لها وسائل للدفاع عن نفسها، وليدعم أقوال وزير الدفاع أيضاً مسؤولٌ رفيع آخر في البيت الأبيض، بقوله لوكالة “رويترز”: “لا تغيير في سياسة بلادنا تجاه تايوان. لم تتغير سياستنا في التزامنا تزويد تايوان بالوسائل العسكرية للدفاع عن نفسها”.
إنّ تصريح الرئيس بايدن عملياً، وبشكل واضح، باستعداد بلاده للدفاع عن جزيرة تايوان عسكرياً في وجه أي غزو صيني، هو النقطة التي يجب البناء عليها لمحاولة استنتاج الموقف الأميركي من أي عمل عسكري صيني في تايوان.
وفي مقارنة للموقف الأميركي من روسيا في عمليتها ضد أوكرانيا، والتي ما زالت جارية حالياً على قدم وساق، كان المسؤولون الأميركيون واضحين، وعلى رأسهم الرئيس بايدن، بأنهم لن يتدخلوا مباشرة ضد الروس للدفاع عنها، لا بقواتهم الذاتية (الأميركيين)، ولا من خلال قوات حلف الناتو، فأوكرانيا ليست عضواً في الناتو، والمادة الخامسة من بروتوكول الحلف الملزمة بدعم أي عضو يتعرض لعدوان، لا يمكن تطبيقها في هذه الحالة.
وبناءً عليه، يمكن تلمس ما قد تبني عليه واشنطن مناورتها في الدفاع عن تايوان، وذلك مقارنة مع مناورتها التي اعتمدتها للدفاع عن أوكرانيا بمواجهة الروس. وفي حين تبين بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أنَّ واشنطن والناتو انخرطا في دعم الجيش الأوكراني قبل تلك العملية بوقت غير بسيط، من خلال سلسلة من الإجراءات والمساعدات العسكرية والتقنية والاستعلامية، تمثلت بتدريب مجموعات خاصة، وبإدخال وحدات غربية تحت عناوين مدربين أو مستشارين، تبين لاحقاً أنهم متخصصون في أعمال الدفاع الجوي والتشويش والرصد وإدارة أنظمة الكشف المبكر، الأمر الذي نجده تقريباً في آلية الدعم الأميركي نفسها لتايوان، والتي يمكن تحديدها بالتالي:
– في منتصف العام 2019، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية معلومات عن أن عسكريين أميركيين يدرّبون جيش تايوان سرّاً منذ عام على الأقلّ، لتعزيز دفاعات الجزيرة ضدّ الصين. ومن بين هؤلاء مجموعات متخصصة من أفراد العمليات الخاصة الأميركية وقوات الدعم الذين يجرون تدريبات لوحدات صغيرة من القوات التايوانية على أعمال قتالية عبر الزوارق الصغيرة.
– تحققت في السنوات الأخيرة أكثر من صفقة بيع أسلحة أميركية لتايوان، إحداها بقيمة 2.2 مليار دولار، وتشمل دبابات “أبرامز” (108)، و250 صاروخ “ستينغر” مضاداً للطائرات، و1500 صاروخ “تاو” و”جافلين” مضاد الدبابات.
– ومؤخّراً، وافق الرئيس الأميركي جو بايدن على بيع تايوان تجهيزات عسكرية بقيمة قد تصل إلى 95 مليون دولار، في ثالث صفقة من نوعها منذ توليه الرئاسة في كانون الثاني/يناير 2021. وكانت وكالة التعاون في مجال الأمن والدفاع التابعة لوزارة الدفاع الأميركية قد أشارت إلى أن الصفقة من شأنها “المساعدة على صيانة نظام صواريخ باتريوت في تايوان وضمان استعداده لعمليات جوية”.
من هنا، وانطلاقاً من صعوبة أو خطورة أو حساسية حصول مواجهة مباشرة بين الأميركيين والصينيين على خلفية عملية عسكرية صينية مرتقبة في تايوان، وانطلاقاً مما يقوم به مسؤولون أميركيون معنيون بتفسير وتصويب تصريحات الرئيس بايدن المتسرعة والمشوشة وغير الثابتة، وخصوصاً تفسير وزير الدفاع لويد أوستن لتصريح بايدن بخصوص الدفاع عن تايوان، وهو مختلف طبعاً عما قاله الرئيس صراحة، وفي مقارنة لمسار المناورة الأميركية ضد الروس في أوكرانيا، والتي قامت بأساسها على استنزاف الروس ودعم الوحدات الأوكرانية بمستوى مرتفع من الأسلحة والقدرات والخبرات والمعلومات الاستعلامية والاستخبارية الدقيقة، يستبعد أن يصل رد الفعل الأميركي على أي عملية صينية في تايوان إلى حدود المواجهة المباشرة الأميركية – الصينية، وسوف تبقى ضمن إطار نموذج “رد الفعل أو الفعل غير المباشر على العملية الروسية في أوكرانيا”.