تموز ساخن في سوريا بسبب روسيا وتركيا
محاولات روسية عديدة خلال الفترة الماضية، لعرقلة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”، باءت بالفشل بعد التفاهمات التركية مع الولايات المتحدة، والتي تُوجت باللقاء الذي جمع الرئيسين الأميركي جو بايدن، والتركي رجب أردوغان، في مدريد مساء الأربعاء.
انضمام الدولتين لـ”الناتو”، لم تكن الصفعة الوحيدة التي تلقتها روسيا من تركيا، في اللقاء الأميركي التركي، إذ تم الاتفاق على مواضيع أخرى بين الطرفين، أبرزها إتمام صفقة طائرات الـ”إف 16″، وقطع غيار الأسطول التركي القديم منها، ما يعتبر ضربة أخرى لروسيا، بصفقة بيع صواريخ “إس 400” لتركيا.
التطورات الأخيرة تدفع للتساؤل حول الخطوات التركية الأخيرة، والتي من المتوقع أن تثير الغضب الروسي، ما سينعكس على الملف السوري، وإمكانية حصول تصعيد بين الطرفين في سوريا.
هل هناك تصعيد في سوريا؟
ترقب كبير خلال الشهر الحالي، حول إمكانية أن يكون هناك تحرك عسكري في الشمال السوري من قبل تركيا يستفز الروس أكثر لاسيما أن هذا التصعيد سيكون في مناطق النفوذ الروسي في الشمال السوري (مدن تل رفعت ومنبج)، فضلا عن احتمالية أن تقوم روسيا بالتصعيد في إدلب، وتفتح جبهة هناك تحت ذريعة أن اتفاقاتها مع تركيا لم تحقق على الأرض، لاسيما التخلص من الجماعات الإرهابية في الشمال الغربي، والوصول الكامل إلى الطريق الدولي حلب اللاذقية أو ما يعرف بـ “إم 4”.
الخبير في الشأن الروسي، ديمتري بريجع، خلال حديثه لـ”الحل”، أن حدوث هذا التصعيد ممكن في حال دفع الغرب تركيا نحو ذلك، وذلك لفتح جبهة إضافية ضد روسيا.
من جهته، الصحفي المصري، محمد حسين، قال في وقت سابق، لـ”الحل”، أن خطوة قبول أنقرة بتوسيع “الناتو”، ستكون حتما مصدر محتمل للخلاف بين أنقرة وموسكو، لا سيما وأن هناك إرهاصات سابقة منذ بدء روسيا عمليتها في أوكرانيا، كإغلاق المضائق التركية التي تربط البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود بالسفن الحربية من خلال تطبيق أحكام اتفاقية “مونترو” أمام السفن الروسية، ودعم أنقرة لأوكرانيا بالطائرات التركية بدون طيار، وحظر الطيران الروسي للوصول إلى سوريا عبر الأجواء التركية.
ورجح حسين، أن تعتمد روسيا سياسة تعقيد مهمة تركيا على الجبهة السورية، في الأيام القادمة، دون إظهار الرد على قبول تركيا بانضمام فنلندا والسويد إلى حلف “الناتو” بشكل سريع.
مصدر ديبلوماسي عربي، أفاد في تصريح خاص لـ”الحل” بأن الحضور العربي سيكون في سوريا خلال أقرب وقت، وذلك في ظل التوقعات التي وصلت إلى مستوى القراءات لدى الجانب الدبلوماسي العربي والتي تفيد بأن روسيا وتركيا قد تصلان إلى حدود التصعيد الأعلى بينهما لاسيما وأن تركيا تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب أي علاقة قد تجمعها بالأطراف الأخرى.
ويضيف المصدر أن الرؤية العربية الآن تتجلى في أن يكون هناك حضور عربي أكبر في سوريا، لاسيما وأن الفكرة الأساس لذلك انطلقت من أجل مواجهة النفوذ الإيراني هناك، والآن تزداد أهمية هذا الحضور في وسط الخلافات المتزايدة والتوترات المتوقع أن يتسع مداها أكثر خلال الأيام المقبلة.
وتابع المصدر بأن روسيا وتركيا في سوريا هما في علاقة تفاهم مؤقت ولا يجمعهما تعاون استراتيجي، لذا فإن الدور العربي سيكون له حضوره، وذلك بسبب أن من المرجح أن تتدهور علاقة روسيا وتركيا في سوريا، بما يعني أن الحضور العربي الآن هو واجب ضروري، وفق تعبير المصدر.
عملية تركية في مناطق نفوذ روسيا؟
في الثالث والعشرين من شهر أيار/مايو الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان، عن التجهيز لعملية تركية في شمال سوريا، وذلك لاستكمال المنطقة الآمنة لعودة اللاجئين السوريين إليها.
مراقبون يرون أن فكرة العملية لم تنته، وهي لم تكن مرتبطة بما أشيع أنها للضغط حول انضمام الدولتين لـ”الناتو”، إنما يتعلق الأمر بإعادة ترتيب المنطقة بشكل كامل، مضيفين أن إن الهدف الأساسي من العملية التركية، هو الوصول إلى مدينتي تل رفعت ومنبج، واللتين تقعان تحت النفوذ الروسي.
وبحسب ديمتري بريجع، فإن العملية التركية المحتملة في هاتين المنطقتين، ترتبط بعدة ملفات في المنطقة، لكن ذلك لا يعني عدم إمكانية حدوثها.
المحلل السياسي، صدام الجاسر، قال في وقت سابق، لـ”الحل”، أن العودة الأميركية لسوريا مؤخرا، من خلال إعادة بعض القواعد القديمة قرب القرة، تشير إلى أن الولايات المتحدة أعادت فصل الملف السوري عن الملف الإيراني، واستعادت زمام المبادرة في إدارة الملف السوري والأزمة السورية، ما يعني أن هناك تصورا أميركيا لإعادة ترتيب المنطقة، وفي الوقت نفسه ستعمل الولايات المتحدة على مناكفة روسيا ومضايقتها بكل الوسائل، ولن يملك الروس إلا الإذعان للرغبة الأميركية.
لذا فإن مناكفة روسيا في الشمال السوري، ستتم في الغالب من قبل تركيا، من خلال العملية التركية المرتقبة، وخاصة بعد الأجواء الإيجابية التي سادت في العلاقات بين تركيا ودول “الناتو” مؤخرا، ما يرجح إمكانية دعم “الناتو” للخطة التركية بإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، وفق رؤية مراقبين.
روسيا تحذر
بعيد الإعلان عن توسيع حلف “الناتو” بدولتين جديدتين، حذّر رئيس لجنة الشؤون الخارجية، في مجلس “الدوما” الروسي، ليونيد سلوتسكي، يوم الأربعاء الماضي، من عواقب انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”.
وحول موافقة تركيا على توسيع الحلف، استشهد سلوتسكي بقصة قديمة في الإشارة إلى ما تلقته تركيا، من تطمينات لكيلا تعارض ضم البلدين، وقال الدبلوماسي الروسي، إن “الرئيس السوفيتي غورباتشوف تلقى في حينه تطمينات تعِد بعدم توسّع حلف شمال الأطلسي، ولكن تلك الوعود تم نكثها”.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي الروسي، أليكاس موخين، في وقت سابق، بأن هذا التوسع في “الناتو” يعزز التحول الأكبر في الأمن الأوروبي منذ عقود، حيث تخلت دول الشمال الأوروبي عن حيادها المستمر منذ عقود للانضمام إلى التحالف العسكري، إلا أنه وضع أنقرة في مواجهة مباشرة مع روسيا، قد لا يستطيع حلف “الناتو” إنقاذها منها.
وبناء على ما سبق فإن التصعيد بين روسيا وتركيا قادم لا محالة، في الأيام القادمة، والساحة السورية هي الأنسب لهذا التصعيد، وذلك على الرغم من محاولات نفي هذا الاحتمال بحجة وجود مصالح بين الطرفين، فانضمام الدولتين لـ”الناتو”، يهدد الأمن الاستراتيجي الروسي في أوروبا الشرقية بشكل مباشر، وهذا ما لن تقبل به روسيا، ما يعطي مؤشرا أنه سيكون هناك صيف ساخن في تموز/يوليو في سوريا.
كل الاحتمالات مفتوحة للتصعيد بين روسيا وتركيا، وبأوجه مختلفة، فالروس باتوا يعتبرون الأتراك خصما لهم وإن لم يعلنوا ذلك، وإن لم تصدر عنهم تصريحات رسمية حول الخطوة التركية الأخيرة.