هل سيتم طرد روسيا من مجلس الأمن؟
في تطور ضمن التطورات المتلاحقة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، طالبت الولايات المتحدة بإعادة تشكيل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كخطوة تمهيدية، ترى موسكو أنها ترمي إلى عزلها.
وفي هذا السياق، من المتوقع أن يجري الرئيس الأميركي، جو بايدن، محادثات مع قادة الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن إجراء تعديلات على تشكيل مجلس الأمن.
ومن وجهة نظر روسيا، تستغل الولايات المتحدة المطالب السابقة بضرورة إصلاح الأمم المتحدة وتمثيل القوى الجديدة داخل مجلس الأمن، لتطرح الآن هذا المقترح بحجة أهمية مراعاة التمثيل الجغرافي العادل للدول.
من جهتها، قالت سفيرة الولايات المتحدة، لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس، يوم الأربعاء، “إن أي دولة عضو دائم بالمجلس وتمارس حق النقض للدفاع عن أعمالها العدوانية تفقد السلطة الأخلاقية ويجب محاسبتها”، منوهة إلى أن روسيا استخدمت حق النقض 26 مرة مقابل 4 مرات استخدمته الولايات المتحدة.
ويرى خبراء، أن مسألة إعادة تشكيل مجلس الأمن ليست بالأمر الجديد، ومنذ سنوات ظهرت مطالب بإدخال دول مثل اليابان والبرازيل وألمانيا إلى مجلس الأمن، مع مناقشة إلغاء حق الفيتو للدول دائمة العضوية، لكنه لم يتحقق.
ويضيف الخبراء، أن طرح مقترح إعادة تشكيل المجلس مجددا في ظل الأوضاع العالمية التي طرأت منذ الحرب الأوكرانية والتحالف الروسي المتجمد مع الصين، يصعب تحقيقه، وبالتالي لا يمكن عزل روسيا وحرمانها من حق الفيتو.
التحديات لهذه الخطوة والمقترح
بحسب خبراء،تكمن صعوبة إجراءات إعادة تشكيل مجلس الأمن، في ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أنه لا يحق تجريد أي دولة من عضويتها في مجلس الأمن، حتى لو لم تكن عضويتها دائمة، حيث يتطلب أي تعديل في الميثاق، موافقة الدول الخمس التي لديها عضوية دائمة.
وهناك عقبات، تتمثل في أن القرارات المهمة ذات القوة التنفيذية تتخذ في مجلس الأمن، ومع تزايد العداوة بين دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة وروسيا، فالمجلس لن يتخذ أي قرار من هذا القبيل، نظرا للتناغم الحالي بين بكين وموسكو، وبالتالي ستعارضان القرار باستعمال حق الفيتو، وهناك رفض من قبل الصين أن تحقق الولايات المتحدة انتصارا في مجلس الأمن، وأن تلحق بروسيا خسائر كبيرة جراء العزل.
من جهة ثانية، تتسبب دعوات عزل روسيا من مقعدها، في تصاعد العداوة بين موسكو وواشنطن وزيادة التوتر، خاصة أن الأولى لديها حلفاء ومصالح مشتركة مع بعض الدول، ما يؤشر لزيادة حدة الانقسام العالمي بين الغرب والشرق.
كما أن تبعات هذا التصعيد، يدفع روسيا لتقوية تحالفاتها مع الصين، وإيران التي طالبت بالانضمام إلى مجموعة شانغهاي، فهي لها مواقف واضحة ضد الدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص.
هل هناك طريقة لعزل روسيا من المجلس؟
من الناحية المبدئية، لا يحتوي ميثاق الأمم المتحدة على طريقةٍ لعزل عضو دائم في مجلس الأمن. ومعلوم أنه مجلس يتكون من 15 عضوا، خمسة منهم دائمون يتمتعون بحق النقض، وعشرة غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لعامين ممثلين عن المجموعات الإقليمية.
ومع أن ميثاق الأمم المتحدة ينص، في مادته السادسة، على أنه “إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة”، إلا أن ذلك لا يكون إلا “بناء على توصية مجلس الأمن”. وطبعا، روسيا، وهي عضو دائم فيه وتتمتع بحق النقض، لن تصوت أبدا على قرار يتيح طردها من الأمم المتحدة.
ولم يحدُث، في تاريخ الأمم المتحدة منذ إنشائها عام 1945، أن طُردت دولة منها، مع أنه جرى تعليق عضوية بعض الدول فيها، بموجب المادة الخامسة من الميثاق، كما في حالة جنوب أفريقيا تحت حكم نظام الفصل العنصري، ما بين أعوام 1970-1974، ولم تشارك جنوب أفريقيا في أنشطة الجمعية العامة إلا عام 1994 بعد انهيار نظام “الأبارتهايد” فيها.
وأيضا، حتى تعليق العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة يحتاج موافقة مجلس الأمن، إذ تنص المادة الخامسة على أنه “يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قِبَله عملا من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناء على توصية مجلس الأمن، ولمجلس الأمن أن يرد لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا”. هذا يعني أن أي محاولة لتعليق عضوية روسيا سيكون أقرب للمستحيل.
ما هي الحلول؟
بعد بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، اقترح الرئيس الأوكراني، إصلاح الأمم المتحدة، هو ما يعني تعديل ميثاقها.
لكن تعديل الميثاق ينبغي أن يجري بموجب الفصل الثامن عشر منه، والذي ينص على أن “التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء الأمم المتحدة إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء الأمم المتحدة، ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين”.
إذا، تعديل الميثاق ليس خيارا مطروحا، فلن توافق روسيا على أي خطط تستهدفها وتستهدف نفوذها في الأمم المتحدة، وهي ستلجأ إلى حق النقض في مواجهة أي مسعى يكون ضدها.
ولكن هناك طريقة، بحسب خبراء في القانون الدولي، لمحاسبة روسيا، أو أي عضو دائم في مجلس الأمن، في الأمم المتحدة، ولكنها طريقة غير ذات معنى كبير وغير ذات جدوى عملية.
وترتبط هذه الطريقة بتعريف “حق النقض” وكيف يمكن استخدامه، وهو ما يخضع للمادة السابعة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة، حيث تنص هذه المادة على: “1. يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد. 2. تصدُر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه. 3. تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه تكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، شرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقا لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفا في النزاع عن التصويت”.
ومعنى ذلك، تتمتع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها 377 “د 5” لعام 1950، المعروف باسم “الاتحاد من أجل السلام”، بسلطة تقديم توصياتٍ لاتخاذ تدابير جماعية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين أو استعادتهما إذا رأت أن مجلس الأمن غير قادر على التصرف بسبب غياب الإجماع بين أعضائه الخمسة الدائمين.
ويتعلق الأمر هنا بـ”المسائل الإجرائية” المنصوص عليها في المادة السابعة والعشرين من الميثاق، إذ يكفي تصويت تسعة أعضاء في مجلس الأمن على تحويل قضية إلى الجمعية العامة، ولا يحق لأي عضو دائم أن يستخدم “الفيتو” هنا. هذا ما جرى في السابع والعشرين من شهرشباط/ فبراير الماضي، عندما حول مجلس الأمن مشروع قرار 2623 إلى الجمعية العامة بموجب “الاتحاد من أجل السلام”، ولم تستطع روسيا منع ذلك.
وفي الثاني من مارس/ آذار الماضي، صوتت الجمعية العامة بأغلبية كبيرة على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن تكمن المشكلة أن قدرة الجمعية على إنفاذ قراراتها محدودة للغاية، فهي توصيات غير ملزمة، على عكس قرارات مجلس الأمن.
وعلى الرغم من أن النقطة الثالثة، من المادة السابعة والعشرين تنص على ضرورة امتناع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن عن التصويت، عندما يتعامل المجلس مع نزاع هم طرف فيه، إلا أن ذلك محصور في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، والفقرة 3 من المادة 52 فيه، واللذين يقتصر نطاقهما على التسوية السلمية للمنازعات، ولا تشملان الإجراءات المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين بموجب الفصل السابع، هذا يفسّر كيف تمكنت روسيا من نقض مشروع قرار يدينها في مجلس الأمن، في حين أنها لم تتمكن من وقف قرار إجرائي بإحالة الأمر إلى الجمعية العامة بعد تصويت تسعة من أعضاء مجلس الأمن على ذلك.
مقترحات تتعلق بالنصوص
بعض الخبراء الدوليين يرون أن طرد روسيا من مجلس الأمن والأمم المتحدة. يقوم على أن روسيا، أصلا، ليست عضوا دائما في مجلس الأمن.
ويستند من يقولون بذلك إلى الفقرة الأولى من المادة الثالثة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة، أن “الأعضاء الدائمين” في مجلس الأمن هم: “جمهورية الصين، وفرنسا، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأميركية”. وحسب هذه القراءة، فإن الاتحاد السوفييتي لم يعد قائما منذ عام 1991، ولم يجر تعديل الميثاق ليشير إلى وراثة روسيا له، وبالتالي، فإن “عضوية روسيا ليست شرعية، حيث لم تصوّت الجمعية العامة على قبولها في المنظمة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في كانون الأول/ديسمبر 1991”.
هذا الرأي يواجه مشكلات من أوجه عدة. فهو يخالف الممارسة المعتمدة منذ عقود طويلة داخل الأمم المتحدة ووكالاتها، والتي استقرت على قبول وراثة الكتلة الكبرى بعد تفكك دولة أو اتحاد ما لهما.
حدث هذا بعد تفكك الجمهورية العربية المتحدة عام 1961، والتي كانت قد جمعت بين مصر وسوريا، وخلفتها مصر، ثم في انفصال سنغافورة عن ماليزيا عام 1969، وخلفتها ماليزيا، وبعد ذلك انفصال صربيا والجبل الأسود عام 2006، وخلفتها صربيا.
كما أن وراثة روسيا الاتحاد السوفييتي عام 1991 في الأمم المتحدة وأجهزتها ووكالاتها جرت بدعم من بلدان الكومنولث المستقلة حينئذ عنه، بما فيها أوكرانيا، فإذا إذا طُبق هذا المعيار على روسيا، فإن أوكرانيا نفسها ستجد نفسها خارج عضوية المنظمة الدولية، إذ إنها ورثت، من دون تصويت، مكان “الجمهورية السوفييتية الاشتراكية الأوكرانية” والتي كانت عضوا في الأمم المتحدة منذ 1945 .
وكالات