واشنطن تفرمل الجولاني وتدخل على خطّ النزاع «الفصائلي» شمال سوريا
مجدّداً، حطّ المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، رحاله في دمشق، حيث التقى وزير الخارجية فيصل المقداد، ورئيس «اللجنة الدستورية» أحمد الكزبري، ضمن مساعيه لتنشيط مسار «اللجنة الدستورية» المجمّد من جهة، وإعادة إحياء مبادرته «خطوة مقابل خطوة» من جهة أخرى. وجاء ذلك في وقت تابعت فيه «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) توسّعها في ريف حلب، لتقضم مناطق جديدة وتصل إلى تخوم مدينة أعزاز، التي تمثّل المركز الأكبر لـ«الحكومة المؤقّتة» التابعة لـ«الائتلاف»، ما استدعى تدخّلاً أميركياً عاجلاً على خطّ النزاع الفصائلي
في وقت كان يُنتظر فيه أن تحمل زيارة غير بيدرسون إلى دمشق مخرجات أكثر وضوحاً وفاعلية، من شأنها تحريك عجلة الحلّ السياسي في سوريا، خرج المبعوث الأممي بتصريحات عامّة ذات طابع ديبلوماسي. ولربّما يؤشّر ذلك إلى أن مبادرته «خطوة مقابل خطوة»، التي سعى إلى إعادة إحيائها مستغلّاً الدفْع الروسي للتقارب بين دمشق وأنقرة، لا تزال تحتاج إلى مزيد من التوضيحات والكثير من الدراسة. وتحدّث بيدرسون إلى الصحافيين عن ثلاث نقاط رئيسة: الأولى حول إمكانية تطبيق وقف دائم لإطلاق النار، بعد نجاح التجربة الروسية في هذا المجال عبر «مسار أستانا»؛ والثانية حول إمكانية إقناع دمشق بمبادرته القائمة على أن تتّخذ الأخيرة خطوات، تُقابلها أخرى من الدول الغربية من شأنها تخفيف الحصار وتقديم دعم ملموس لعملية «التعافي المبكر»؛ والثالثة تتعلّق بمسار الحلّ الأممي عبر «اللجنة الدستورية»، التي عبّر المبعوث الأممي عن آماله في أن تُعاود نشاطها في جنيف السويسرية قريباً. وعلى رغم عدم إحراز مبادرته أيّ تقدّم إلى الآن، لم يخفِ بيدرسون تفاؤله هذه المرّة بحصول اختراق، ولو بطيء، معوّلاً على ما سمعه من مختلف الأطراف الدولية حول ضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشّراً إلى إمكانية استئناف أعمال «الدستورية» خلال وقت قريب، خصوصاً أن بيدرسون نفسه كان قد ألمح إلى ذلك خلال لقاءاته الجانبية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي.
وجاءت زيارة المبعوث الأممي التي لم تَلقَ الزخم الإعلامي المعتاد، في ظلّ انشغال دمشق بعقْد المؤتمر الخاص بإعادة اللاجئين، بتنسيق مشترك سوري – روسي، يستهدف توفير الأرضية اللازمة لإعادة اللاجئين من لبنان والأردن (وتسعى تركيا للانضمام إليه)، حيث انصبّ اهتمام وسائل الإعلام السورية الحكومية على اللقاءات الخاصة بهذا المؤتمر، والاتفاقيات التي تمّت خلاله. كما أتت الزيارة في وقت تقود فيه أنقرة تغييرات ميدانية في مناطق سيطرتها، من شأنها ربّما إضافة تعقيدات جديدة في طريق المبعوث الأممي. وعلى خلفيّة تلك التغييرات، كثّف الجيش السوري والطيران الروسي قصفهما على مواقع مختلفة للفصائل المنتشرة في ريف إدلب قرب خطوط التماس، وبمحاذاة طريق «M4» الذي يصل حلب باللاذقية، بينما تَواصل الاقتتال في ما بين الفصائل الموالية لتركيا. وكانت «هيئة تحرير الشام» تمكّنت من السيطرة على عفرين، كما دخلت كفر جنة وقرية قطمة لتصبح على حدود أعزاز، الحلقة الأخيرة التي يسعى أبو محمد الجولاني لإسقاطها، على طريق بسط نفوذه على الشمال.
وفي هذا السياق، عقدت «هيئة تحرير الشام»، وفصائل «الفيلق الثالث» بقيادة «الجبهة الشامية»، والتي كانت تسعى لإنشاء تجمّع مواز لـ«الهيئة»، اجتماعاً ثالثاً بحضور ضباط من الجيش والاستخبارات التركية لإنهاء الاقتتال. وخلص الاجتماع إلى الاتفاق على تسليم المناطق المتنازَع عليها إلى طرف ثالث (هيئة ثائرون التي تضمّ فصائل موثوقة الولاء لتركيا)، في خطوة رأت مصادر معارضة، في حديث إلى «الأخبار»، أنها تهدف إلى منْح الجولاني مزيداً من الوقت لتنظيم صفوفه، وتمهيد الأرض لتشكيل إدارة مشتركة لهذه المنطقة، بما فيها أعزاز، بما يزيح عن كاهل تركيا مشكلة «تمدُّد الإرهاب» التي رافقت توسّع الجولاني من جهة، ويحقّق لها غايتها النهائية المتمثّلة في توحيد مناطق نفوذها من جهة أخرى. غير أن هذا الاتفاق الذي أوقف الاقتتال مؤقّتاً، تدور شكوك متزايدة حول إمكانية استمراره، في ظلّ حالة الاحتقان الكبيرة في الشمال، ورغبة الجولاني في فرْض نفسه في أسرع وقت ممكن عبر استعراض قوّته، ما يفتح الباب أمام الانزلاق مرّة أخرى إلى الاقتتال في أيّ وقت، خصوصاً مع دخول الولايات المتحدة الأميركية على الخطّ عبر مسارَين، الأوّل سياسي والآخر ميداني.
وأصدرت السفارة الأميركية في سوريا، عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بياناً مقتضباً يدعو إلى انسحاب «هيئة تحرير الشام» من المناطق التي سيطرت عليها، مؤكدة أن الأخيرة مصنَّفة على لوائح الإرهاب، بينما ذكرت مصادر ميدانية أن رسائل عديدة تلقّتها فصائل منتشرة في ريف حلب، من بينها «جيش الإسلام» الذي يسعى الجولاني لاجتثاثه، و«الجبهة الشامية»، تحتوي توصيات بضرورة الدفاع عن مناطق نفوذها، ووعوداً بممارسة مزيد من الضغوط على أنقرة. وجاء هذا في وقت تناقلت فيه مصادر معارضة أنباء، لم يتمّ التأكّد من صحّتها من مصادر محايدة، حول وجود خلاف داخلي في تركيا، بين الجيش الذي لا يريد تغييراً سريعاً لخريطة السيطرة الفصائليّة، والذي نشر بعض قواته في منطقة كفرجنة التي دخلها الجولاني؛ والاستخبارات التي تسعى لإتمام عملية توحيد مناطق انتشار القوّات التركية في أسرع وقت ممكن.
اقرأ ايضاً:يتزعمها سوريون.. الشرطة الأوروبية تعتقل أكبر عصابة مخدرات في أوروبا