رغم ما يمتلكه الساحل السوري من مقومات طبيعية تؤهله لصناعة سياحة على مدار العام تضاهي أكثر البلاد السياحية تطوراً. إلّا أنه رغم ذلك تقتصر السياحة في اللاذقية على فصل الصيف، مع غياب كامل لـ “السياحة الشتوية”. التي لا زال تفعيلها في الساحل معضلة عصيّة على التحقيق. حيث للسياحة موسم واحد لا يزيد عن تسعين يوماً في أفضل الأوقات.
وبالتوازي مع دخول الخريف واقتراب الشتاء، تدخل المنشآت السياحية في سباتٍ شتوي، خاصة الموجودة في الأرياف. حيث أن معظم المنشآت السياحية الواقعة في المناطق الجبلية تغلق في الشتاء بسبب ندرة الزبائن. عدا عن أن معظم العمّال يتسربون ليعملون في المدينة بحكم أن إيرادات المنشآت هناك أفضل بالنسبة لهم. ناهيك عن أن المنشآت الجبلية عندما تغلق، يضطر العمّال إلى البحث عن عمل آخر حتى تعود المنشآت للعمل في بداية الموسم السياحي.
سياحة “الجمعة والسبت“
صاحب أحد المنشآت السياحية في صلنفة التي تعد قبلة السياحة الجبلية في اللاذقية يقول: بالرغم من أن صلنفة تعد موئل السياحة لما تتمتع به من مقومات طبيعية ساحرة سواء صيفاً أو حتى شتاءً. إلا أن الإقبال اللافت للمصطافين خلال الصيف يتراجع إلى 10% خلال الشتاء. حيث يقتصر الزوار في الشتاء على أهالي المحافظة. خاصة خلال هطول الثلج ويومي الجمعة والسبت فقط، فيما تكون المنشأة خالية بقية أيام الأسبوع.
وأكد أن معظم المنشآت السياحية الواقعة في المناطق الجبلية تغلق في الشتاء بسبب قلة الزبائن. ناهيك عن توجه معظم العمّال للعمل في المدينة. حيث هناك المنشآت السياحية أكثر عدداً، وتعمل خلال الشتاء.
بدوره، قال صاحب منشأة سياحية في كسب: “عدا عن قلة الزبائن في الشتاء لعدم وجود سياحة شتوية في المحافظة وإعراض المواطنين عن التوجه للمناطق الجبلية في ظل أزمة الوقود، نعاني أيضاً من قلة العمّال الذين يتركون العمل في الخريف ليتوجهوا للعمل في المدينة”. مدللاً بأن قسم كبير منهم طلاب جامعة، يعملون في الصيف عندما يقضوا عطلتهم مع ذويهم في قراهم. بينما يتوجهون للمدينة مع بداية العام الدراسي.
وأضاف: “لا توجد مقومات لكي تكون هناك سياحة، ولا إشغالات خلال فصل الشتاء ونحن نتعرض لخسارة كبيرة، دفعت معظم المنشآت السياحية. وخاصة الواقعة في الجبل إلى الإغلاق خلال الخريف والشتاء بسبب قلة الإشغالات”.
خطط ترويجية لاستقطاب الزبائن:
المنشآت السياحية في المدينة ليست أفضل حالاً من الريف، فهي الأخرى تعاني الركود مع نهاية الموسم السياحي الصيفي. حيث تكاد الإشغالات “تصفّر” بعد أن كانت “كومبليه” في الصيف. في حين يناور أصحاب هذه المنشآت على الركود باللجوء إلى خطط تجذب إليها الزبائن بعروض وندوات وحتى دورات تدريبية.ناهيك عن حسومات تصل إلى 40% للإشغالات.
وأكد مدير التسويق في أحد الفنادق داخل مدينة اللاذقية، أن حركة الإشغالات بدأت بالركود تدريجياً مع دخول فصل الشتاء. باعتبار أنه لا توجد هناك سياحة شتوية في المحافظة. لكننا في المقابل نقوم بما يستوجب علينا من عروض ونشاطات ودورات تدريبية لجذب الزبائن.
ويضيف: “رغم تخفيض أسعار الخدمات السياحية في الفندق إلى النصف تقريباً، إلا أن حركة الإشغالات خجولة”. مشيراً إلى ازدياد أعباء المصاريف. إذ يجب أن تبقى المطاعم والغرف وجميع الخدمات جاهزة على مدار الساعة رغم قلة الزبائن. مؤكداً أن العاملين في الفندق أساسيين ورواتبهم جيدة.
ركود واضح:
بدوره، قال مصدر في مديرية سياحة طرطوس: إن السياحة الشتوية في المحافظة ضعيفة. وتقتصر في معظمها على يومي الجمعة والسبت والعطل الرسمية والأعياد. مشيراً إلى أن المنشآت السياحية تشهد تراجعاً واضحاً في حركة الإشغال، ويتفاقم الوضع ركوداً في شهري تشرين الثاني وكانون الأول. مع العلم أنه يوجد في المحافظة مقومات كثيرة لتفعيل السياحة الشتوية ونجاحها بنسبة تقارب السياحة الصيفية. مستدركاً: لكن ذلك يتطلب جهوداً جماعية لإنجاح التوجه نحو السياحة الشتوية.
وعلى قائمة الأولويات للتشجيع على السياحة الشتوية، يؤكد المصدر على ضرورة التعريف بالمعالم السياحية وتقديم حسومات مغرية في الأسعار لجذب الزوار. مشيراً إلى وجود بيانات تفصيلية عن تلك المواقع على صفحة وزارة السياحة.
الاستثمار في السياحة الشتوية:
بدوره، يؤكد المتخصص في مجال السياحة د.فراس أحمد ضرورة التوجه نحو الاستثمار في السياحة الشتوية في الساحل السوري لما يتمتع به من مقومات تؤهله لذلك. مدللاً بأن معظم الدول السياحية التي لديها سياحة شتوية، إمكانياتها ومقوماتها أقل بكثير مما لدينا في سوريا، لكنها استثمرت مقوماتها بشكلٍ مدروس. ولم تعد سياحتها تقتصر على فصلٍ معين، إلا أننا لا زلنا نعتمد على السياحة الصيفية فقط.
وأضاف سليمان: اقتصار السياحة على أشهر الصيف لتكون سياحة موسمية، جعل المنشآت السياحية لا تعمل سوى في الموسم السياحي. ما أدى إلى ارتفاع أسعار الإقامات في الفنادق والمنتجعات وحتى الشاليهات. مع ارتفاع في الأسعار حتى خلال الموسم السياحي، عنها في الأشهر الأخرى من السنة.
وعن الصعوبات التي تعّترض السياحة الشتوية، أشار سليمان إلى عدم وجود فعاليات اقتصادية تهتم بتنشيط السياحة الشتوية. بالإضافة لضعف الإمكانيات المادية، وقلة الاستثمار السياحي في الشتاء، وعدم وجود آلية عمل مشتركة تنسق بين جميع هذه الجهات. والأهم من ذلك ضعف الترويج السياحي، مستنداً بقوله إلى أن الدعاية السياحية تقتصر على فترة الموسم السياحي الصيفي فقط. علماً بأن فترة الأعياد والمناسبات كثيرة في الشتاء لتمضية العطل في الساحل.
وحسب سليمان، موسميّة السياحة تسبب تردياً في الخدمات المقدمة للسياح، خاصةً في ذروة الموسم السياحي نتيجة الازدحام. ما يظهر التناقضات بين الطلب على الخدمات السياحية، والعرض السياحي المستقر نسبياً. فضلاً عن إعاقة تطور وتنمية السياحة والاقتصاد السياحي. ناهيك عن تسرب الكوادر المؤهلة نتيجة لتراجع عمل المؤسسات السياحية بعد فصل الصيف للبحث عن عمل آخر، لا سيما أنها تقلل كثيراً من الفعالية الاقتصادية للاعتمادات المالية في الأرباح والدخل. كما أن استثمار هذه المؤسسات والمنشآت السياحية لفترة محدودة من السنة يرفع بشكل واضح أسعار الخدمات السياحية فيها في فصل الصيف لتعويض الركود. أو التوقف الذي سوف تتعرّض له تلك المؤسسات السياحية بقية شهور السنة.
وأكد سليمان أنه عندما يتم إبراز الوجه السياحي الشتوي نشجع على الاستثمار في هذا المجال، ما يجذب بالمحصلة الزوار. مستنداً في ذلك إلى غنى الساحل بطبيعة بكر غنية بالغابات بالإضافة للبحر، وتشكل أرضاً خصبة للاستثمار. وبرأي سليمان أن القطاع الخاص يلعب دوراً كبيراً في إنجاح هذه السياحة من خلال نشاطه باستقطاب أكبر عدد ممكن من السياح. خاصةً أن القطاع السياحي باعتراف الجميع هو أول القطاعات التي تعافت من الحرب.
أثر برس