لماذا لا تستخدم روسيا طائراتها المسيّرة كقوة ضاربة في المعارك؟
“بيرقدار بيرقدار” أغنية ترنم بها مقاتلون أوكرانيون خلال حربهم الأخيرة مع روسيا للاحتفاء بقدرات ودور المسيرة التركية الشهيرة التي حصلوا عليها من أنقرة لصد الهجوم الروسي المستمر على بلادهم منذ أكثر من 6 أشهر.
وتعاظم دور المسيّرات القتالية وعلى رأسها بيرقدار خلال الحروب والمعارك الأخيرة التي وقعت في كل من إقليم ناغورني قره باغ وسوريا وليبيا وكذلك أوكرانيا مؤخرا.
وفيما تتبادل كل من أوكرانيا وروسيا يوميا إصدار بيانات تتضمن إعلانات بشن ضربات دقيقة ومركزة ضد الطرف الآخر توقع فيه خسائر كبيرة، تركز كييف على شن قواتها غاراتها باستخدام الطائرات المسيرة بينما لا تتضمن معظم بيانات موسكو أي إشارة لشن مثل هذه الغارات بالسلاح نفسه.
وما رشح مؤخرا من تقارير أميركية من قيام موسكو بالتواصل مع طهران للحصول على طائرات مسيرة إيرانية وتدريب كوادر روسية على استخدامها رغم نفي طهران، طرح تساؤلات أبرزها هل روسيا التي تمتلك ثاني أقوى جيش بالعالم ومختلف صنوف الأسلحة المتطورة لا تمتلك سلاح طائرات مسيرة أم أنها تمتلك مثله وتحتفظ به كسلاح سري، الأمر الذي يجيب عنه عدد من الخبراء العسكريين الذين تحدثوا للجزيرة نت.
استنزاف للروس
يرى المحلل العسكري والإستراتيجي اعياد الطوفان أن أحد أسباب الحرب الروسية الأوكرانية هو أن الولايات المتحدة تريد أن تقاتل كما يقال حتى آخر جندي أوكراني بمعنى أن واشنطن تسعى لاستنزاف الروس وكشف أسلحتهم السرية والإستراتيجية من دون أن تتحمل أي خسائر على الأرض.
وأضاف الطوفان وهو عميد سابق في الجيش العراقي أن ما وصفها بالصدمة التي خلفها صاروخ كينجال الروسي الفرط صوتي بعدما تم الكشف عنه في السنوات الأخيرة دفع المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) للتحرك لمعرفة تفاصيله ومميزاته وما تخبئه روسيا من أسلحة متقدمة ووجدت في الحرب الأوكرانية فرصة مناسبة.
وأشار أن الروس عندهم طرازات متقدمة من الطائرات الحربية على رأسها سوخوي 57 والتي لم تشارك بعد سوى باستعراضات وتنفيذ ضربات قليلة وهي تنافس بمقدراتها مقاتلتي إف 29 وإف 35 الأميركيتين.
كما تمتلك روسيا من سوخوي طرازات لطائرات مسيرة وأيضا لأصناف أخرى، ولكن الروس- والكلام لطوفان- حريصون على عدم كشف كل أسلحتهم السرية والإستراتيجية خاصة أنهم مدركون أنهم يقاتلون جيشا منهكا ومتعبا أي الجيش الأوكراني ومن خلفه الأميركيون وحلف الناتو بأسلحتهم ومعلوماتهم الاستخبارية.
ولفت إلى أن حلفاء كييف يزودونها بأسلحة متطورة لكن محدودة مثل منظومات هيمارس ومدافع هاوتزر لكن يبقى أنهم حريصون على عدم تزويدها بأقوى من تلك لعدم استفزاز الدب الروسي الذي من الممكن أن يشعل فتيل حرب عالمية ثالثة لا أحد مستعدا لها أو لتحمل تكاليفها.
ويكمل الطوفان، ولهذا قد يكون الروس اختاروا المسيرات الإيرانية الموازية لكفاءة المسيرات التركية التي من الممكن أن تتعامل مع الجيش الأوكراني المتعب وبنفس الوقت لا يستخدمون أسلحتهم المتقدمة حتى لا تنكشف أو تسقط بيد الأعداء.
سلاح سري
من جهته، يخالف الخبير العسكري فايز الأسمر وجهة نظر الطوفان ويقول إنه على العكس تماما فإن روسيا استخدمت ولا تزال تستخدم وبكثرة الطائرات المسيّرة الاستطلاعية والقتالية سواء في سوريا أو أوكرانيا ولكن على ما يبدو بعيدا عن الإعلام والبيانات.
وأوضح الأسمر للجزيرة نت أن الجيش الروسي استخدم ولا يزال مسيرات الاتجاه الواحد مثل “لانسيت 3” الانتحارية في سوريا وأوكرانيا وأيضا استخدم طائرات “أورلان 10” وخاصة في شرق أوكرانيا وإقليم دونباس ومقاطعة زاباروجيا، حيث دمرت هذه الطائرات منظومات هيمارس أميركية ومدافع هاوتزر وغيرها من الأسلحة الغربية التي حصلت عليها كييف.
ولفت إلى أن روسيا بلد متقدم في صناعة الطائرات المسيّرة الإستراتيجية فلديها مثلا طائرة تو- 300 كورشن والتي يطلق عليها أحيانا تسمية الصدمة “شوك درون” وتحمل كمية كبيرة من القنابل والصواريخ الموجهة وتعمل على ارتفاعات حتى 6 كيلومترات وأيضا طائرة “أوخوتنيك” القادرة على التخفي نسبيا من الرادارات المعادية.
ويقول الخبير العسكري إن القوات الروسية بلا أدنى شك تستخدم الطيران الحربي والمسير معا فلكل ميزاته واستخداماته والذي يفرض استخدام هذا النوع أو ذاك هو طبيعة الهدف والمهمة وعمقها ومسافة ومدة زمن الطيران والأسلحة المطلوب استخدامها للتعامل مع الهدف.
مقارنة
ويقارن الأسمر بين مزايا كل نوع فيقول -على سبيل المثال- إن الطيران الحربي يتمتع بسرعة أكبر ويحمل ذخائر وصواريخ أكثر تمكنه من التعامل مع أرتال من الدبابات والعربات وأهداف متعددة كما أن الطيار يملك ميزة المناورة في المعارك الجوية والهروب من الدفاعات الجوية، أما المسير فله ميزات أخرى من سهولة التحكم وانخفاض التكلفة وعدم المخاطرة بالعامل البشري وإمكانية استخدامه كطائرات انتحارية.
وحول قلة استخدام روسيا للطائرات المسيرة في معارك أوكرانيا، يعلق الخبير العسكري بأنه كما هو معلوم فإن أوكرانيا بلد كبير وتبلغ مساحته أكثر من 600 ألف كيلومتر مربع وهذا يفرض وينعكس على الأداء العسكري ونوع الأسلحة المستخدمة فبعض الأهداف يمكن التعامل معها بالصواريخ أو الطيران الحربي أو المسيرات أو الأسلحة البرية وغيرها من صنوف الأسلحة.
وبخصوص التقارير التي تحدثت عن محادثات بين موسكو وطهران لتزويد الأولى بطائرات مسيرة إيرانية يرى الأسمر أن روسيا من الممكن أن تحتاج للطائرات المسيرة الانتحارية وقد تكون مقدرات الطائرات المسيرة الإيرانية التي تتمتع بخفة الوزن والسرعة وصعوبة التصدي لها من قبل الدفاعات الجوية أحد الأسباب.
أمر طبيعي
من جهته، يقول العميد الطيار أسعد الزعبي إن روسيا كما هو معلوم دولة متقدمة في صناعة مختلف أنواع الأسلحة وفي مقدمتها الصواريخ والطائرات، وقد يستغرب البعض أنها قد تلجأ لاستيراد طائرات مسيرة سواء من إيران أو تركيا أو إسرائيل رغم أنها تمتلك أنواعا وطرازات منها.
ويوضح الزعبي للجزيرة نت أن الطائرات المسيرة متنوعة ومتباينة في قدراتها والأهداف التي صنعت من أجلها، فبعضها يستخدم للتشويش أو لاستنزاف الدفاعات الجوية للعدو أو للاستطلاع والتصوير ورصد تحركات وأسلحة العدو، وأيضا يوجد منها ما هو قتالي، ومن هذا فإن كل دولة تصنع طائراتها المسيرة وفق حاجتها والهدف منها.
ويشير الزعبي إلى أن روسيا لاحظت أنها فقدت كثيرا من طائراتها الحربية المقاتلة في أوكرانيا أو أنها تغامر بها، لذلك بدأت تفكر باللجوء لإعطاء دور أكبر للطائرات المسيرة، لكن هي كما يبدو لا تمتلك ما يكفي منها لتغطية ساحة الحرب كاملة أو أن ما تمتلكه منها لا تتمتع بالقدرة التدميرية المطلوبة أو القدرة على قطع مسافات طويلة واتباع مسارات طيران معينة، وذلك دفعها للبحث عن مصدر لطائرات مسيرة أخرى ووجدت في حليفتها إيران ضالتها.
ويختم العميد بأن استيراد روسيا من إيران طائرات مسيرة -في حال صدقت التقارير- لا يعد إهانة لها من الناحية العسكرية خاصة في ظل علاقاتهما وأهدافهما المتقاربة، فمثلا إيران فشلت أو لم تتمكن بعد من صناعة طائرات حربية في حين أنها استعاضت عنها في مجال الطائرات المسيرة وبمواصفات جيدة، وكذلك روسيا أو غيرها من الدول قد تكون تقدمت في صناعات معينة وتأخرت في أخرى.
المصدر : الجزيرة
اقرأ ايضاً:غارات روسية سورية مشتركة على تجمع لهيئة تحرير الشام غرب إدلب