السبت , نوفمبر 23 2024
الحصار الاقتصادي يدفع السوريين إلى مدافئ بدائية بديلة لمواجهة برد الشتاء

الحصار الاقتصادي يدفع السوريين إلى مدافئ بدائية بديلة لمواجهة برد الشتاء

يقلب أبو محمد مدفأة “السبيرتو” التي سمع عنها من أصدقائه، يحدوه الأمل بأن تتناسب مع قدرته الشرائية كما قدرتها على درء ما تيسر من برد الشتاء في هذا الفصل الذي يتوقع الخبراء أن يكون قاسيا في سوريا لهذا العام.

يتفحص “أبو محمد” بجدية مفرطة، جودة الجهاز البدائي الصغير الذي ابتدعه أصحاب الورش كبديل لمدافئ المازوت والكهرباء، ورغم افتقاره للخبرة الصناعية، إلا أنه لا يقاوم الرغبة في تمرير أصابعه على (نقاط اللحام) المعدني للجهاز الاسطواني.

الحصار الاقتصادي يدفع السوريين إلى مدافئ بدائية بديلة لمواجهة برد الشتاء

مذ ورث الجيش الأمريكي آبار النفط والغاز شرقي سوريا عن الجماعات الإرهابية، لم تتأخر أزمة المحروقات عن لسعّ حياة السوريين فيما يرمقون آبارهم الوطنية وهي تنهب يوميا وبشكل فج (من قبل الجيش الأمريكي)، إلا أنها، ومع اقتراب الشتاء الذي يدقّ أبوابهم، باتت تستنفر مخاوفهم العميقة على أجساد أطفالهم الصغيرة التي لا ينقصها مزيد من الإنهاك في ظل الواقع المعيشي الصعب أساسا.

كاميرا “سبوتنيك” جالت في دمشق، بين منطقتي (المناخلية والشاغور)، اللتان تذخران بورشاتٍ صناعية مختلفة، لترصد مدافئ صغيرة الحجم تعمل بواسطة “السبيرتو” وهي تتصدر واجهة المحلات، علاوةً عن انتشار هذه المدافئ في الكثير من الأسواق، على البسطات أو العصرونيات (محلات بيع الأدوات المنزلية).

أبو محمد، وخلال معاينته لإحدى هذه المدافئ المستحدثة في أحد أسواق دمشق، أكد لـ “سبوتنيك” أن احتمالية شرائه لها واردة جداً، كون لديه أطفال صغار ووالدته المُسنّة، ولكنه، لم يتأخر عن استعراض مخاوفه من اقتنائها لعدة أسباب وأولها: “هل ستكون فعالة وتمنح الدفء الكافي؟”.

لا تتوقف مخاوف الرجل الخمسيني الذي يعمل موظفاً حكوميا، عند هذا الحد، فهو لا يزال يشكك في جدوى (المدفئة الاقتصادية) قياسا بما تحتاجه من “السبيرتو”: “مصروف السبيرتو لن يكون سهلاً، وخاصةً عندما يدور الحديث عن شتاء بارد هذا العام”.

والأمر الأهم الذي يراود ذهنه يتلخص في كيف سيحمي أطفاله ويأمن عليهم “من أي حريق وارد الحدوث بنسبة كبيرة، نظراً لصغر حجمها وخفة وزنها، ما يفقد هذه المدفئة خاصية الثبات، وهناك أيضاً حالة عدم أمان أخرى وهي الاشتعال السريع (للسبيرتو)”.

على مدار السنوات السابقة، انتعشت صناعة مدافئ الحطب وكل ما يمكن حرقه للحصول على الدفء، إلا أن إرثها الثقيل على الحراج والغابات وما تلاه من تشدد للسلطات المعنية إزاء حمايتها دفعا هذا العام بأفكار جديدة.

ففي ظل الشح الكبير بالمشتقات النفطية، بدأت الورش الصغيرة بالبحث عن مصادر بديلة للتدفئة بما ينعش الأسواق وتجارها من جهة، ويرضي الباحثين عن الحد الأدنى للدفء، من الأخرى، فكانت هذه المدافئ الغريبة في شكلها، وباتت مدافئ “السبيترو” المستحدثة هذه، مهيأة لتكون الضيف الجديد في بيوت السوريين في فصل الشتاء بدلاً عن مدافئ المازوت والغاز، والكهرباء حتى نظراً للانقطاع الطويل للتيار الكهربائي والمرشح لمزيد من التقنين في الشتاء بسبب الحمولة المتوقعة على الشبكة الكهربائية العامة.

في حديث “سبوتنيك”، مع “أحمد معراوي” صاحب أحد المحال التجارية في سوق الشاغور، والذي يعمل حالياً على تصنيع مدافئ تعمل بواسطة “السبيرتو”، قال إن هذه المدافئ أخذت في الانتشار وخط تصنيعها سيتطور وفقاً للحاجة في المستقبل، كونها ستكون البديل في فصل الشتاء، ولكنه في الوقت نفسه، لفت إلى أن إقبال الشراء مازال ضعيفاً مقارنةً بالحد المأمول للبيع منها، كون هذا البديل جديد وبحاجة إلى التجريب من قبل العديد من الناس حتى يشيع الأمر من جهة إيفاءها بالغرض المبتغى.

تبدأ أسعار مدفئة “السبيرتو” من 40 ألف ليرة سورية (نحو 10 دولار) وصولاً إلى ما يقارب 200 ألف ليرة (50 دولار)، وذلك وفقاً لحجمها ومواصفاتها وشكلها الخارجي، وهي مصنوعة من الحديد، تحملها صّيِنيّة من الألمنيوم.

تحتوي المدفأة على خزان “طابة” يمكن تعبأتها بالكحول “السبيرتو” على غرار مدفأة المازوت، وما يميزها أيضا أنها لا تصدر أي صوت أو شحار أو رائحة، ويُقدر سعر ليتر السبيرتو 6 آلاف ليرة سورية.

وأما أسعار البوابير، تبدأ من 8 آلاف وصولاً للـ 40 ألف ليرة سورية، وأيضاً ذلك وفقاً للحجم والمواصفات.

وتعاني سوريا أزمة محروقات خانقة أرخت بظلالها الثقيلة على مجمل حياة المواطنين، مع استمرار الجيش الأمريكي بالتمركز في أكبر حقول النفط والغاز التي يباع إنتاجها عبر الحدود.

وفي شهر أغسطس/آب من العام الجاري، كشفت وزارة النفط السورية أنّ الإنتاج اليومي لحقول النفط الشرقية تبلغ 80.3 ألف برميل، مؤكدةً أنّ “الاحتلال الأمريكي يسرق ما يصل إلى 66 ألف برميل يومياً من الحقول المحتلة في المنطقة الشرقية”.

وتشارك ميليشيا “قسد” المدعومة أمريكياً، بسرقة النفط السوري، فبعدما بلغت عائدات جماعة “داعش” الإرهابية (المحظورة في روسيا) من النفط السوري عام 2015، بحسب تقديرات البنتاغون، نحو 40 مليون دولار شهرياً، سيطرت “قسد” على تلك الحقول بدءاً من العام 2017، مع تقديرات غربية بأنها أنتجت 14 ألف برميل يومياً، بعائد يصل إلى 12.6 مليون دولار أو ما يصل إلى 378 مليون دولار سنوياً.

وقبل الحرب، كانت سوريا تبيع أكثر من 350 ألف برميل من النفط يوميّاً، وكانت حصّة حقول “الرميلان” وحدها تقارب 100 ألف برميل في اليوم الواحد، فيما وصل إنتاج “حقل العمر” النفطيّ إلى 30 ألف برميل يوميّاً في العام 2010.

اقرأ أيضا: حماية المستهلك تحذّر من خطورة مدافئ الكحول… غير آمنة