الجمعة , نوفمبر 22 2024

من أين تعيش الأسرة السورية؟

من أين تعيش الأسرة السورية؟

إذا كانت كلفة الحد الأدنى لمتطلبات الأسرة السورية المكونة من خمسة أشخاص لاتقل عن مليون ليرة شهريا باستثناء السكن والملبس والنقل والمحروقات، فإنها لن تستطيع تأمين هذا المبلغ حتى لوكان جميع أفراداها يعملون بأجر لدى جهات عامة أو خاصة، أو لدى الجهتين معا، وبالتالي فالسؤال: من أين تعيش الأسرة السورية؟
الإجابة ليست صعبة، فأكثر من 40% من الأسر السورية تعيش على الحوالات التي تأتيها من أبنائها أوأقربائها المغتربين.
ونعارض بعض المحللين الذين يجزمون بأن قيمة الحوالات تراجعت بفعل الأزمة الإقتصادية العالمية وارتفاع الأسعار في بلدان الإغتراب، فقيمة الحوالة الواحدة لن تتقلص إلى مادون الـ 100 دولار للأسرة السورية شهريا، وهو مبلغ كاف مع دخلها المحدود لتأمين الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية للمعيشة اليومية.
والـ 100 دولار شهريا ليس مبلغا كبيرا بالنسبة للمغترب، فهو بسهولة يمكنه توفيرة مهما انخفضت قوة دخله الشرائية من خلال تخفيض استهلاكه من السلع اللاضرورية..الخ.
والأهم إن مامن مغترب سيقصّر بإمداد أهله بالحد الأدنى من الأموال وهو على معرفة مسبقة بأوضاعهم المعيشية القاسية، وخاصة إذا كان أحدهم بحاجة إلى الدواء والإستطباب!
ولو كانت حوالات المغتربين في تراجع لانعكست مباشرة على ملايين الأسر السورية، خاصة إن مكاتب الصرافة ليست هي المقياس لمعرفة فيما إذا كانت قيم الحوالات، أوعددها زاد أم انخفض، فالكثير من الحوالات تأتي إلى الأسر السورية بمنأى عن أعين الجهات الرسمية.
والسؤال الأكثر أهمية: كيف تعيش الأسرة التي ليس لها معين في بلاد الإغتراب ؟
حتما معظم هذه الأسر وهي بالملايين لاتعتمد على دخلها الشهري، فهو بالكاد يكفيها بضعة أيام، وبالتالي امام الأسرة خيارين لاثالث لهما: اما الإعتماد على المساعدات والإعانات التي تتلقاها من الجمعيات الخيرية ومن أقارب ميسورين، أو مزاولة عمل مدرّ للأموال، أي تأسيس مشروع صغير.
وتكشف المعارض والأسواق المخصصة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر عن آلاف الأسر التي نجحت بإيجاد مصدر داخل دائم ومتطور يعينها على مواجهة صعاب الحياة، بالإعتماد على الذات، وليس على إعانات الآخرين سواء كانت من جهات حكومية أو خاصة.
ولو إن الوزارات المعنية كالتجارة الخارجية والداخلية والمالية والزراعة والإدارة المحلية.. الخ، كانت جادة بتحسين الأوضاع المعيشية لملايين الأسر السورية بالأفعال وليس بالأقوال والتصريحات الإعلامية، لقدمت دعما لامحدودا للأسر صاحبة المشاريع الصغيرة، ولشجعت الأسر الأخرى على تأسيس مشاريع مماثلة بتقديم قروض بلا فائدة وإقامة أسواق مجانية لتسويق منتجاتها!
ويتجسد تقصير الجهات الحكومية بدعم الأسرة التي تعتمد على نفسها، بعدم عرض منتجاتها في صالات السورية للتجارة مثلما تفعلها مع منتجات الشركات الخاصة..فلماذا الإهتمام بسلع كبار المنتجين وإهمال منتجات المشاريع الصغيرة التي تعيل ملايين الأسر؟
ولجأت بعض الأسر للتعويض عن تقصير الجهات الحكومية إلى صفحات التواصل الإجتماعي وتحديدا الفيس بوك لتسويق منتجاتها، لكن تبقى هذه الوسائل محدودة جدا مقارنة بصالات السورية للتجارة، أو بإمكانيات الجهات الحكومية بالترويج لمنتجات مشاريع الأسر السورية الصغيرة في معارض داخلية وخارجية..الخ.
والمعضلة أن الحكومة مرتاحة إلى هذا الوضع والدليل انها لا تجيب على السؤال الذي يطرحه الجميع: كيف يمكن لأسرة أن تؤمن احتياجاتها الغذائية الأساسية إذا كان دخلها الشهري لايشتري لكل فرد منها سوى سندويشتي فلافل يوميا ؟
والمعضلة الأخرى ان الجهات الحكومية ليست جادة حتى الآن بإيجاد آليات للإستفادة من دولارات الحوالات في تمويل عمليات الإستيراد، وبتعزيز سعر صرف الليرة، فمعظم أموال الحوالات يشفطها التجار والسماسرة عبر أقنية لانظامية.
الخلاصة:إذا كانت الحوالات والمشاريع الصغيرة تساعد على مواجهة مصاعب الوضع المعيشي وتردي الدخول لملايين الأسر السورية، فإن على الحكومة ان تشجّع وتسوّق منتجات الأسر من جهة، وتعمل على تبسيط إجراءات ورود الحوالات من جهة أخرى، للاستفادة منها في تعزيز القطع الأجنبي، ومنع شفطها من قبل السماسرة وتجار العملات واستخدامها للمضاربة في السوق السوداء.
علي عبود ـ خاص غلوبال