أكثر من 5.6 ملايين أسرة سورية تستفيد من حوالات المغتربين.. من يشفطها؟!
من الصعب معرفة القيم الفعلية للحوالات التي تتلقاها الأسر السورية من أبنائها المغتربين في الخارج، لكن من المؤكد إنها قلّصت نسب الفقر، وحافظت على حد مقبول في حركة الأسواق.
ولسنا مع المنظّرين بأن (ارتفاع الأسعار العالمي بعد الحرب الروسية- الأوكرانية أثّر على قيمة الحوالات التي يتم تحويلها إلى سورية) لسبب واحد على الأقل وهو إن معظم الحوالات لا تتعدى قيمة الواحدة منها 100 دولار شهريا، وبالتالي لن تؤثر مثل هذه الحوالات على دخل المغتربين مهما ارتفعت الأسعار العالمية!
ويعرف الجميع إن بإمكان أي مغترب اقتطاع أكثر من هذا المبلغ بتخفيض استهلاكه من السلع اللاضروية وليس الاستغناء عنها، لأنه لن يتوقف عن مدّ أهله وذويه بالمال الضروري لتأمين احتياجاتهم المعيشية، فهذا الأمر بالنسبة للمغتربين واجب مقدس قبل أن يكون التزاما أخلاقيا.
لا عدادات الكترونية لدى المنظرين
واستنادا إلى أواصر القربى والقلق الذي لا يبارح المغترب على أوضاع أهله المعيشية في الوطن تسقط تحليلات المنظّرين حول تراجع قيم الحوالات بسبب ارتفاع الأسعار العالمية وتحديدا الطاقة التي تؤثر على جميع السلع والخدمات، فنحن هنا نتحدث عن علاقات بين البشر لا بين الروبوتات!
ومن الضروري الإشارة إلى أن ليس لدى المنظّرين أي “عداد الكتروني” للحوالات القادمة من بلاد الاغتراب ليكتشف من خلالها أن قيمها تضاءلت بنسب “مهولة”!
أكثر من ذلك نجزم ومن خلال معارفنا أن قيم الحوالات تزداد في المناسبات (الأعياد، شهر رمضان، افتتاح المدارس، فصل الشتاء) أو عند تعرض أحد أفراد العائلة لعارض صحي، أو لحاجته إلى أدوية غالية ودائمة..الخ!
وحسب وزيرة الاقتصاد الأسبق الدكتورة لمياء عاصي فإن نسبة الأسر التي تعتمد على التحويلات الخارجية تبلغ 40 % وترى أن هذا الرقم جاء حسب عدة مصادر،لكنها لم تبيّن على ماذا استندت تلك المصادر لتؤكد إن نسبة الأسر المستفيدة هي 40 %، أي ليست أكثر أو أقل!.
5.6 ملايين أسرة تستفيد من الحوالات
وفي حال اعتمدنا هذه النسبة المتداولة مقارنة بـ 4 ملايين بطاقة ذكية يستفيد منها 14 مليون سوري، فهذا يعني إن نسبة المستفيدين من الحوالات لا تقل عن 5.6 ملايين سوري، وهو رقم جيد لأنه يناقض تماما مؤشرات الفقر المتداولة والتي لا تقل أرقامها عن 80 %!!
ولو اعتمدنا على الأرقام الرسمية الإجمالية للمغتربين السوريين أو المتحدرين من أصل سورية والتي تصل إلى 17 مليون حسب إحصائية قديمة لوزارة السياحة، فإن نسبة الأسر السورية التي تتلقى حوالات ستكون أكثر من 40 %، وإلا كيف يمكن فهم كيف تعيش ملايين الأسر السورية بدخل لا يكفيها لأسبوع واحد على الأكثر!
وإذا أضفنا إلى نسبة الـ 40% النظرية، نسب الأسر التي تؤمن دخلا إضافيا من تأجير عقار تملكه أو بمزاولة مشروع صغير، أو باستثمار أرض زراعية ..الخ فإننا أمام معجزة سورية تكيّفت مع ظروف الحرب والعقوبات وعوّضت عن العجز الحكومي، لمواجهة صعاب الحياة وقهرها، بمبادرات ذاتية ومساعدات ذوي القربى..الخ.
من يشفط الحوالات؟
حسنا، لنفترض أن قيمة الحوالات هي بحدود 8 ملايين دولار يوميا فقط، أي بحدود 3 مليارات دولار سنويا، فالسؤال: من يشفط هذه المليارات.
نعرف أن ما يُصرف من الحوالات في الأقنية المصرفية قليل جدا، وبالتالي فهي تصب في جيوب التجار ليستخدموها بتمويل مستورداتهم أو في أيدي المتاجرين لزيادة دائرة المضاربة بالعملات أو لتهريبها للخارج، ولا يمكن للجهات الحكومية ضبط عمليات التهريب لأنها تتم أصلا في الخارج ، فالمهرّب يقوم عبر وكلاء له بقبض الدولارات في مكان إقامة المغترب ويقوم موظفون في الداخل بتسليم قيمتها بالسوري لعائلة المغترب!
ولا يستطيع أحد مهما كان خبيراً ومنظّراً أن يعرف قيمة الحوالات اللاورقية، وما يُضبط من متاجرة بالحوالات والعملات قليل جدا، وبالتالي فقيمة الحوالات الواردة إلى سورية ورقياً وشفوياً قد تكون أكبر بكثير من الرقم المتداول، وأحد مظاهرها الفجة شراء أقرباء المغتربين عقارات لهم بمليارات الليرات، دون أن يعرف أحد مصير قيمتها الدولارية!!
مشكلة الصرف الرسمي
يتفق المنظرون على أن سعر الصرف الرسمي غير جذاب للتحويلات الدولارية، وهذا الاستنتاج أكثر من صحيح، ونجزم أن أي مسؤول من مرتبة وزير إلى أصغر موظف لن يصرف أي حوالة في المصارف أو شركات الصرافة بسعر أقل من 2000 ليرة من سعرها في السوق السوداء إلا مرغما، أي في حال وصلته عن طريق أحدى شركات الصرافة حصرا!
وبفعل الفارق الكبير جدا بين السعرين الرسمي والأسود ينشط السماسرة والوسطاء لشفط حوالات دولارات المغتربين ومنعها من الوصول إلى الأقنية الرسمية، وهذا أحد أسباب تراجع سعر صرف الليرة!
والسؤال الذي يصعب الإجابة عليه هو: ما الآلية الفعّالة لإقناع من تصله حوالة بقبض قيمتها لدى شركات الصرافة؟
الجواب السهل جدا: لترفع الحكومة سعر صرف الحوالة بما يوازي سعر الدولار الأسود؟
ولكن من يضمن أو من الجهة التي يمكنها منع قيام السماسرة والوسطاء بعدم رفع سعر الصرف الأسود أكثر فأكثر؟
المشكلة كانت ولا تزال بوجود عدة أسعار للصرف مقابل السوق السوداء، وهذه المشكلة لم تكن موجودة قبل عام 2011 ، وتوحيد سعر الصرف مهما أبدع الأكاديميون بتنظيرهم لا يمكن الوصول إليه إلا بتعاون فعال من كبار التجار ورجال الأعمال وحيتان المال..الخ.
فرصة للعودة للوطن
ونرى إن ما تعرض له هؤلاء في لبنان الذي أودعوا فيه أكثر من 50 مليار دولار، سيتعرضون له عاجلاً أم آجلاً في مصر التي استثمروا فيها عشرات المليارات، وأودعوا في مصارفها الجزء الأكبر مما هرّبوه من سورية، لأن مصر تتجه سريعاً من السيناريو اللبناني وتباشيره تدهور الجنيه، وارتفاع الديون والأسعار، كل هذا يُشكل فرصة لإعادة النظر بما يفعلوه ضد وطنهم منذ عام 2011 على الأقل.
وفي هذا السياق لفتتنا دعوة رجل الأعمال سنان درغام على صفحته الشخصية على فيسبوك لجميع أصحاب الفعاليات الاقتصادية المقتدرين من غرف تجاره وصناعه وسياحة وزراعة ونقابات ومقاولين ومحاميين وأطباء لرفد ودعم خزينة الدولة من خلال تصريف مبلغ ألف دولار، وإيداع ناتج الصرف وديعة بالبنك دون فائدة لمدة عام أو أكثر ، وكما قال درغام فإن مبلغ ألف دولار لا يشكل شيئا للمقتدرين، بل نعرف جميعا انه مبلغاً رمزياً قياساً للدخل اليومي للكثير من الفعاليات التجارية والمهنية، والسؤال الدائم: لماذا يفعلوها في المغترب ولا يفعلوها في سورية؟
وعندما نسمع إن رجال أعمال وضعوا بحدود مليون دولار وديعة بلا فائدة لمدة خمس سنوات في المصارف المصرية مقابل خدمات شخصية فإننا نسأل: لماذا لا يضع التجار ورجال الأعمال وحيتان المال ودائع دولارية مماثلة في المصارف السورية سواء بفائدة أو بلا فائدة، وإذا كانوا غير مستعدين لهذا الفعل الوطني فليتوقفوا على الأقل عن ممارسة الأفعال اللاوطنية أي تهريب الدولارات والمضاربة بسعر الصرف !!
البعث- علي عبود
إقرأ أيضاً: بينها دمشق.. مدينتان في الشرق الأوسط تتصدران قائمتي أغلى مدن العالم وأرخصها