الإثنين , نوفمبر 25 2024

لا إجماع في تركيا على المصالحة مع دمشق: استثمار وتشكيك وتشويش

لا إجماع في تركيا على المصالحة مع دمشق: استثمار وتشكيك وتشويش

شكّلت محاولة التقارب المستمرّة بين تركيا وسوريا مادة جدل داخلي، تسعى السلطة، كما المعارضة، إلى الاستفادة منها قدْر الإمكان، وإنْ كانت الأولى لا تزال تذكّر مراراً بأنها هي مَن اقترح التطبيع مع دمشق. وفيما يعمل الرئيس رجب طيب إردوغان على جنْي ثمار هذه المصالحة في الانتخابات المقبلة، يسيطر الحذر على وسائل الإعلام التركية الموالية، والتي سعى بعضها إلى التقليل من أهميّة ما يجري، وابتداع روايات من شأنها تلغيم مسار التطبيع

أضافت محاولة المصالحة بين تركيا وسوريا طبقاً آخر على مائدة الخلافات التركية الداخلية. وفي وقت كانت فيه سلطة حزب «العدالة والتنمية» رأس حربة في الصراع مع النظام والدولة في سوريا، كانت المعارضة تقدّم لدمشق سلّة مقترحات للتعاون معها – في حال وصولها إلى السلطة -، في إيجاد حلول لملفّات انسحاب الجيش التركي واللاجئين و«التنظيمات الإرهابية». حتى إن كمال كيليتشدار أوغلو، رئيس «حزب الشعب الجمهوري» المعارِض والمرشَّح المحتمَل لمواجهة الرئيس رجب طيب إردوغان في انتخابات الرئاسة المقبلة، أعرب سابقاً عن استعداده، في حال فوز المعارضة، للقاء الفوري مع الرئيس السوري بشار الأسد لحلّ الخلافات بين البلدَين.

لكن، اليوم، وبعد اللقاء الذي جمع وزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا في موسكو، ومع قرب اجتماع وزراء الخارجية، واحتمال عقْد قمة بين إردوغان والأسد برعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باتت المبادرة التركية في مرمى المعارضة من زاويتَين: الأولى، أن التقارب التركي – السوري هو في الأساس مقترح المعارضة، ولولا ضغوطها وإظهار خطورة الملفّ على الأمن القومي والاجتماعي والاقتصادي التركي، لَما كان إردوغان سعى إلى حلّه وتجييره لمصلحته لتعزيز حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ والثانية، أن المقاربة هذه لا تثير كثيراً ارتياح المعارضة التي لا تريد للتقارب مع دمشق أن يصبّ في مصلحة إعادة انتخاب إردوغان.

وإذا كان بعض الإعلام الموالي للحزب الحاكم قد أعرب عن دعمه للتقارب مع سوريا، غير أنه ظلّ دعماً حذراً، بل إن غالبيته لا تزال شبه غائبة – في ما يشبه التردّد – عن تأييد الخطوة. ويعمل بعض هذا الإعلام مسبقاً على محاولة تحميل الطرف الآخر، السوري، مسؤولية أيّ تعثُّر يمكن أن يحصل، ويريد البعض الآخر أن يحوّل خطوة التقارب إلى فرصة لزرْع الشقاق والشكوك في صفوف محور سوريا وإيران وروسيا. ومن الأمثلة على ذلك، ادّعاء صحيفة «تركيا»، الموالية للسلطة، أن الأسد تعرّض لمحاولتَي اغتيال خلال الشهرَين الأخيرَين على أيدي عناصر داخل الجيش، وأنه كانت هناك محاولة عسكرية لإطاحته، لكنه قام بتصفية العديد من الجنرالات في الجيش السوري. والأكثر إثارة، أن مَن يقف وراء هذه المحاولات، تقول الصحيفة، هما الولايات المتحدة وإيران اللتان تعارضان التطبيع مع النظام السوري.

وتنبري صحيفة «جمهورييات»، بقلم محمد علي غولر، بتفنيد مزاعم الصحيفة، قائلة إنه إذا كانت الولايات المتحدة معارضة للتطبيع وأعلنت ذلك رسميّاً على لسان الناطق باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، فكيف يمكن إيران أن تعارض التطبيع، وهي أحد أطراف مسار أستانا، المنصّة التي تعمل منذ سنوات على التقريب بين دمشق وأنقرة؟ ووفق غولر، فإنه «أمر مؤسف أن تتحدّث الصحيفة عن معارضة إيرانية للتقارب بين تركيا وسوريا»، إذ إن دعم طهران لدمشق «ساعدها على مقاومة الهجمة الأطلسية، فيما يشكّل تغيير تركيا موقفها واتّخاذها جانب التوافق مع الأسد مصلحة إيرانية خالصة»، لذا، فإن «اتهامها بالاعتراض هو أوّلاً غير صحيح، وثانياً محاولة لتلغيم مسار التقارب».

وفي صحيفة «قرار» القريبة من أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، رفيقَي إردوغان السابقَين ومعارضَيه الحاليّين، يشكّك عثمان سرت بعملية التقارب بين أنقرة ودمشق، ذلك أن «أحداً لا يعارض عملية التقارب بين البلدَين، لكن أن يكون إردوغان هو الذي يقودها فهو أشبه بكيفيّة تناول الزبادي، لا بعملية الأكل نفسها». وبحسب الكاتب، «ليس هناك أيّ سبب لإقناع اللاجئين في تركيا بالعودة إلى سوريا، فحتى الذين هناك يعانون من الأزمة الاقتصادية. وليس هناك ما يَضمن أنه إذا انسحب الجيش التركي من شمال سوريا، لن يجد المدنيّون طريقاً للعبور إلى تركيا». أمّا عن مشاركة سوريا في محاربة «حزب العمال الكردستاني»، فيرى سرت أنها «ليست واقعية، وخصوصاً أن النظام في سوريا هو الذي سلّم مفاتيح المناطق الشمالية إلى الكردستاني. وفي المحصّلة، أفقد إردوغان تركيا احترامها من أجل أولويّة الفوز بانتخابات الرئاسة».

ويرى سرت أن الاستعجال في خطوات التطبيع حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، «يدلّ على انعدام البصيرة، كما لو أن تركيا لم تراكم قوّة في وضعها الجيوبوليتيكي بسبب موقفها من الحرب الأوكرانية». من هنا، فهي تدفع، وفق الكاتب، «تكلفة عالية لقرارات ظرفيّة تتطلّب اتباع مسار ديناميكي»، والتي يفسّرها بأن «روسيا قد تؤجّل ديون الطاقة على تركيا إلى ما بعد الانتخابات»، فيما «تعب المجتمع التركي من مسألة اللاجئين ويريد لهم العودة بأيّ ثمن». ولكن قدرة سوريا على الاستيعاب والحقائق على أرضها، يقول سرت، غير كافية لملء عناوين مثل: «ها هي أولى خطوات التطبيع».

من جهته، يكتب عبد الله قره قوش، في «ميللييات» الموالية للسلطة، أن «تركيا بدأت التقارب مع سوريا من أجل إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، لكنها منزعجة من موقف بعض الدول الكبرى من التقارب، ولا سيما الولايات المتحدة التي تزوّد الإرهابيين الأكراد بالسلاح». ويتساءل عن الذي تفعله هذه القوى في سوريا، فهي «تعارض مفاوضات السلام، ولا تريد الاستقرار لهذا البلد، وتعمل على تخريب مسار التقارب، لكن تركيا مصمّمة على مواجهة الإرهاب، ولذلك تريد مواصلة العمل لمواجهة كل هؤلاء المعرقلين».

أمّا مليح ألتين أوك، فيرى، في صحيفة «صباح»، أن «مشكلة اللاجئين تضغط على تركيا، ولكن قطار العودة قد بدأ. فتسارع وتيرة المصالحة مع دمشق وحديث إردوغان عن قرب اللقاءات على مستوى عال يؤشّران إلى أن عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ستتسارع في الأسابيع المقبلة». وفي الإطار نفسه، تتناول دينيز كيليسلي أوغلو، في صحيفة «حرييات»، موقف المعارضة السورية من مسار التطبيع، وتقول إن الأخيرة «تنظر بقلق وارتباك إلى العملية لأنها تتسارع جدّاً». وتضيف الكاتبة إنه «على الرغم من تطمين وزير الخارجية، مولود تشاووش أوغلو، بأن أيّ حلّ لن يكون رغماً عن المعارضة، فإن هذه الأخيرة تطالب الحكومة التركية بمواصلة دعمها ودعم حقوق الشعب السوري»، فيما تنقل عن «رئيس الحكومة المؤقتة»، عبد الرحمن مصطفى، قوله إنه لا يَتوقّع نتائج من المحادثات التركية مع دمشق.

اقرأ أيضاً: مسار أنقرة ـ دمشق: طريق إردوغان الوَعِر