الإثنين , أبريل 21 2025
شام تايمز

في ظل النرجسية الاميريكية كم ستحافظ الكرة الأرضية على توازنها؟!

شام تايمز

في ظل النرجسية الاميريكية كم ستحافظ الكرة الأرضية على توازنها؟!
فايز شناني
الحكمة تقول : الوقاية خير من قنطار علاج ، وكل الوقاية والحيطة والحذر ، لم يمنعوا وقوع القدر ، ذلك الذي وصل إلى ابنة ملك بصرى من خلال حشرة صغيرة في عنقود عنب ، والقدر ليس معناه أن نتوقف عن الحياة ، أو المبادرة والمغامرة ، وألا نتكلف عناء البحث عن مكتسبات تحصن ذواتنا ، وتمنعنا من السقوط في هاوية الملل والعبث والفوضى . وفي علم النفس الذي نخشى الخوض والبحث فيه ، وقاية ناجعة وفعالة من نشازات سلوكية ، غالباً ما تؤسس لأمراض نفسية تقصٌر العمر وتحوله جحيماً .
سؤال لابد وأن يخطر على بال أي منا ، لماذا جاء الرسل والأنبياء ؟! والاجابة الأولية : أنهم لهداية البشر الذين ضلوا وعاثواً في الأرض فساداً ، أي أن الله اضطر إلى علاجات متأخرة بعد أن خرج الناس عن فطرتهم ، تلك العلاجات النبوية شكلت في الوقت نفسه وقايات وارشادات نفسية ، لم يتبعها البشر ، بل زادوا في سقوطهم وانحدارهم في شرك الوثنية والهجمية . عدد كبير من الفلاسفة قدموا نظريات مختلفة عن كينونة الانسان والعلاقات الانسانية ، وفسروا الكثير من الظواهر الطبيعية والبشرية للإرتقاء ما أمكن بالحياة الانسانية ، من خلال الأخلاق والقيم والمبادئ السامية ، ” كانط ” حض على نظرية أخلاق العقل أو الواجب ( واعتبارها ذروة الأخلاق الوضعية ) ، بينما اعتبر آخرون أن الأخلاق الوضعية ” العقل ” يجب ألا تكون نقيضاً للأخلاق السماوية ” الإيمان ” ، و يعرٌف ” اريك فروم ” الشر قائلاً : هو فقدان الانسان ذاته في خضم مبادرة مأساوية ، هرباً من مسؤوليته الانسانية ، أي أنه ترك الانسان الفضاء الانساني ودخوله في الفضاء اللاإنساني . بينما يقول ” كارل ساغان ” : أن الحب حاجة طبيعية ، تتطلب اتخاذ موقف لا إرادي بشكل حر ، ويتحدث عن انتفاء الحب ( لقد نشأنا وتربينا على مفاهيم غريبة ، لدرجة أننا إذا التقينا بشخص أو مجتمع مختلف عنا بعض الشيء ، شعرنا بعدم الثقة فيه لإختلافه عنا قليلاً ، وربما نكرهه ، في حين أن ثوابت كل حضارة وثقافتها ليست سوى طريقة ، ووجه آخر للانسانية ) . وعبر التطور البشري على مدار قرون نلحظ أن القيم العليا التي سعى لنشرها الرسل والأنبياء وباقي الصالحين ، كانت بطيئة الاستيعاب والقبول ، واستمر الواعظون على الدوام من خلال المدارس أو دور العبادة ، الحث على الفضيلة والخير والمحبة والمعرفة ، والتمسك بالخصال الحميدة والفطرة السليمة والإيمان ، ومع ذلك يستمر الشر ويتعاظم ، فتأتي الحروب لتفريغ شحنات متعاظمة من الحقد والكراهية .
تبنت الغالبية العظمى من المجتمعات الغربية مبادئ المدرسة الميكافيلية ، وفصلت بين السياسة والأخلاق ، واعتبار إذا كان الفرد كاذباً أو مرواغاً أو مخادعاً ، وهي صفات غير حميدة وغير أخلاقية ، فإنها ليست كذلك بالنسبة للسياسي ، الذي قد يضطر لممارستها إذا اعتقد أنها من أجل الصالح العام . ومما لاشك فيه أن الأخلاق وجدت قبل الأديان ، والأخلاق نتاج الانسان والفعل الانساني ، والأديان التوحيدية كانت أكثر من التزمت بالقوانين الأخلاقية ، وكانت أكثر تعبيراً عن الفطرة السماوية ، ووصايا موسى العشر مزجت بين الأخلاق الانسانية والآداب العامة ، ومن أجل الوصول إلى أسمى درجات النضج الانساني يعلمنا ” بوذا ” أنه يجب ألا نشتهي ملكية شيء ، ومن تعالين السيد المسيح : إن الذي يرديد أن يخلٌص حياته يفقدها ، أما الذي يفقد حياته في سبيلي فإنه يخلٌصها ، فماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله ، وفقد نفسه أو خسرها ( انجيل لوقا 9 ) . ومن تعاليم المعلم ” ايكهارت ” : أن شرط تحقيق القوة والثراء الروحي ، هو ألا يملك الانسان شيئاً ، وأن يجعل نفسه منفتحة خالية ، وألا يدع ذاته تقف عقبه في طريقه ، أما ” ماركس ” فيقول : أن الترف لايقل رذيلة عن الفقر ، وأن الهدف من الحياة هو تحقيق مزيد من كينونتنا وليس الاستزادة من ملكيتنا ، بينما يقول ” سيبنوزا ” : تكمن سعادة الشخص في أسلوب التملك ، في تفوقه على الآخرين ، وفي قوته ، وهي في التحليل الأخير – تكمن في قدرته على أن يغزو ويسرق ويقتل ، أما في أسلوب الكينونة فإن السعادة هي المحبة والمشاركة والعطاء . ابن خلدون يرى أن الدول قامت على العصبية والغلبة ، وليس على مقدار ممارسة المبادئ الأخلاقية في الحكم ، ولطالما اندثرت حضارات وفنيت أمم بسبب الحروب ، و لطالما تعاظم شرور الدول العظمى ، فإن الحروب لن تتوقف وستسمر إلى ما لانهاية ، طالما بقي الانسان كفرد والمجتمعات ككل تواقين للإمتلاك ، والبحث عن ملكيات جديدة . وفي هذا الصدد هل يمكن أن نخمن مدى ضرر النرجسية الأميركية ؟ وفي ظل هذه العنجهية كم ستحافظ على توازنها الكرة الأرضية ؟! .

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز

اترك تعليقاً