بعد قبول دعوة الأمم المتحدة.. هل اقترب موعد رفع أوروبا عقوباتها على سوريا؟
مع وصول أعداد المصابين والموتى جراء انتشار وباء كورونا إلى أعداد غفيرة وغير متوقعة، وفي ظل فشل أكبر الأنظمة الصحية تقدمًا في العالم من احتواء الأمر، بات من الواضح للجميع كم تعاني الشعوب القابعة بلدانها تحت طائلة نظام العقوبات الاقتصادية.
وفي ظل التعنت الأمريكي ورفض كافة المناشدات الدولية لرفع عقوباتها على دول مثل إيران وسوريا، يبدو أن الاتحاد الأوروبي بات يدرك الواقع المؤلم، وأظهر مؤشرات إيجابية بشأن إمكانية رفع عقوباته على سوريا، وعدة دول أخرى.
وأعربت دول الاتحاد الأوروبي عن دعمها لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى تخفيف العقوبات المفروضة على بعض البلدان في ظل جائحة فيروس كورونا.
مؤشرات إيجابية
وقال مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، جوزيف بوريل، عقب اجتماع عقد أمس الجمعة، في بروكسل لوزراء خارجية الدول الأعضاء في التكتل: “بحثنا ضرورة ألا تعرقل العقوبات عمليات الإيصال العاجلة للمعدات الطبية اللازمة لمكافحة فيروس كورونا”.
وعبر المسؤول الأوروبي عن أمله بأن يحظى الإعلان الجاري تحضيره بالدعم الكافي، مشيرا إلى أن أوروبا ترى أن العقوبات تساهم في تفاقم أخطار تفشي الوباء خاصة في البلدان التي تشهد صراعات مثل سوريا، ليبيا واليمن.
وأوضح: “في بعض البلدان، مثل سوريا واليمن وليبيا، يمكن أن يتم تصعيد التأثير السلبي من فيروس كورونا نظرا للنزاعات التي تجري هناك، لهذا السبب نؤيد بشكل كامل جهود الأمين العام للأمم المتحدة الرامية إلى تنسيق رد عالمي مشترك على الجائحة، كما ندعم دعوته إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في كافة أنحاء العالم”.
اتجاه أوروبي
قال مصطفى الطوسة، المحلل السياسي المقيم في فرنسا، إن “هناك مؤشرات قوية من مراكز القرار السياسي الأوروبي، تقول إن دول الاتحاد الأوروبي تتجه لرفع العقوبات على بعض الدول، بسبب وباء كورونا”.
وأضاف في تصريحات لـ “سبوتنيك“، أن “الاتحاد الأوروبي يرى أن منطق العقوبات يستثني الاحتياجات الإنسانية، وأن من هذا المنطلق يمكن لهذه الدول أن تقدم دعمًا وتفتح خطًا اقتصاديًا مع هذه الدول رغم العقوبات”.
وتابع: “هناك جدل سياسي كبير يدور في المنتديات الدولية بشأن فاعلية وجدية العقوبات تجاه بلدان تعيش حروبًا مدمرة وطاحنة في ظل وباء كورونا، وهنا يرى المنطق الأوروبي أنه يجب مساعدة هذه الدول لمنع أنظمتها الصحية من الانهيار، ومنع أي نفشي لفيروس كورونا”.
وأكد أن “الاتحاد الأوروبي يعرف جيدًا أن بلدان مثل سوريا وليبيا وإيران وفنزويلا، والتي تعاني من عقوبات قاسية، تزداد عندها الأزمة، وتعقد العقوبات من مهمة مواجهة كورونا”.
وبشأن العقبات التي تواجه القرار الأوروبي بشأن رفع العقوبات، قال: “المؤشرات الإيجابية التي ظهرت من بروكسل وبعض العواصم الأوروبية تصطدم بفلسفة الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب بخصوص العقوبات”.
ومضى قائلًا: “ترامب يريد أن يجعل من العقوبات الاقتصادية ذراعه المسلح لتغيير الأنظمة عوضًا عن اللجوء للمقاربة العسكرية، يريد عن طريق هذه العقوبات أن يغير أنظمة هذه الدول من الداخل، وأن تقدم تنازلات قوية تخدم الأجندة الأمريكية”.
أسباب التغيير
من جانبه، قال الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي العضو السابق في الوفد الحكومي السوري المفاوض في جنيف، إن “الأداء المتعثر للقيادات الغربية في مواجهة وباء كورونا قد أخذ الحكومات الغربية إلى أن تظهر بصورة غير محسوبة كسياق داخلي وخارجي في آن معاً”.
وأضاف في تصريحات لـ”سبوتنيك”، أن “الحكومات الغربية استشعرت حجم استياء الرأي العام لديها من الفشل في إجراءات التصدي للوباء، وما ظهر على أنه قسوة ووحشية من المنظومة النيوليبرالية الفكرية والسياسية في تقديم المصالح المادية والاقتصادية على الاعتبارات الإنسانية”.
وتابع: “من المؤكد أيضًا أن هذه الحكومات أدركت متأخرة إلى حد ما أن واحدة من الأساطير المؤسسة للسياسات الخارجية الغربية، والقائمة على تغطية النزوع الاستعماري بغطاء المصلحة الإنسانية وحقوق الإنسان، هذه الأساطير تتعرض بفعل اختبار كورونا للاهتزاز، فقد ظهرت أن أجندتها السياسية المحضة مقدمة على الدافع الإنساني، وهو ترتيب يُفترض أن يكون معكوساً وفقاً للسردية الغربية الكلاسيكية التي تبرر بواسطتها عادةً تدخلها في شؤون الدول الأخرى”.
خفض تدريجي
ومضى قائلًا: “أدركت هذه النخب السياسية أن دورها في قيادة العالم معرض للاهتزاز، فهي فشلت ليس فقط بالعمل كمنظومة قائدة، ولكنها فشلت بالعمل كمنظومة بالأساس، وأدركت أن هذا الفشل ملأه الصينيون والروس، ومهدوا به لتقويض جانب من القوة الناعمة للغرب لمصلحة صعودهم كقوى إنسانية قائدة وقادرة على الاستجابة الكفوءة والمنظمة”.
وأشار إلى أن “هذه الاعتبارات قد تكون مدخلًا لإقرار سياسات خفض تدريجي للعقوبات تجاه سوريا وسواها من الدول دون التطابق الحتمي فيها مع السياسات الأمريكية تجاه سوريا بالضرورة، مع أن واشنطن أيضًا، وانطلاقًا من الدوافع ذاتها، أطلقت خطابًا يشير إلى أنها تفكر بتخفيف العقوبات على دول أخرى مثل إيران، وهذا يشير إلى إمكانية أن تكون السياسات الأوروبية والأمريكية متقاربة بدورها فيما يتعلق بسوريا أيضا”.
وبشأن باقي الأسباب التي دفعت دول الاتحاد الأوروبي إلى هذه الخطوة، قال: “تدرك بعض النخب الغربية مشهد انتصار الدولة السورية على قوى الإرهاب والفوضى، وتقرأ التحولات التدريجية تجاهها في الحالة العربية، وبالتالي قد يكون كورونا مدخلًا لاعتماد الواقعية السياسية بمساحة أكبر تجاه سوريا، بمعنى أن يشكل كورونا رافعة لسياسات قد نضجت عمليا، وكانت بانتظار الحدث المحفز لتعميمها”.
وأنهى حديثه قائلًا: “رغم ذلك، وباعتبار أن السياسات الغربية قائمة بالأساس على أساس المصالح السياسية والاقتصادية وليس الدافع الأخلاقي، فالأغلب أن تكون الخطوات الغربية عموما بطيئة ومترددة مدفوعة بعملية التقييم المستمر لتطور الوباء وآثاره، بحيث تقدم الحد الأدنى من تخفيف العقوبات الذي يتناسب مع الحفاظ على صورتها داخل الغرب وعلى المستوى الدولي، لا أكثر ولا أقل”.
سبق وأن دعا غوتيريش دول العالم، خاصة أعضاء مجموعة “G20″، إلى إلغاء العقوبات التي فرضتها سابقا على بلدان أخرى لإزالة العراقيل أمام جهود مكافحة فيروس كورونا المستجد.