بعد تحريره عام 2016… سوق الخابية يعود للحياة في حلب القديمة… فيديو
يقلب أبو محمد في ذاكرته ذلك اليوم الرمضاني من عام 2012، حين غادر على عجل فرنه الخاص بصناعة “الكعك” في (سوق الخابية) هربا من الإرهاب الذي اجتاح في تلك الأيام أحياء مدينة حلب القديمة شمالي سوريا.
هجر أبو محمد حياته التي لم يعرف غيرها في حارته القديمة، وفي طريق النزوح إلى مدينة اللاذقية، تنازعته الهواجس بأنه يقطع للمرة الأخيرة الأمتار المتتالية من طريق (حلب اللاذقية)..
عدم اليقين الذي راوده كما مئات آلاف السوريين في تلك الأيام، تغذى من الدعم الغربي اللامحدود لتمدد التنظيمات الإرهابية في مختلف أرجاء سوريا.
“هلق نحنا بسوق الخابية..”.. بهذه الجملة النافلة، استهل أبو محمد شرحه لـ”سبوتنيك” وكأنه (يقرص نفسه) مؤكدا لذاته أولا، ولكل من سيتابع حديثه، بأن الإرهاب رحل حقا عن المدينة إلى غير رجعة، بعد تحرير أحيائها الشرقية.
خلال الأشهر الأخيرة، بدأت الحياة تدب مجددا في شبكة هائلة من الأسواق الحلبية في المدينة القديمة، ضمن خطة حكومية مبرمجة لإعادتها إلى نشاطها السابق قبل الحرب، بما في ذلك “سوق الخابية” الذي دمره الإرهاب بشكل شبه كامل في تموز 2012.
يجلس أبو محمد مع أقرانه تجار “الخابية” في إحدى زوايا السوق، يراقبون محالهم وهي تعاود التشكل من جديد.
ويعد (سوق الخابية) الذي يعود إلى القرون الوسطى وفق ما تؤكد الدراسات الأثرية القليلة حوله، تحفة معمارية تجسد غنى الحياة التجارية التي عاشتها حلب عبر العصور، واستمد تسميته من طبيعة عمله كما يبدو.
قبل تدميره على أيدي تنظيم “جبهة النصرة” وحلفائه، اتسم السوق الذي يتربع عند بداية الطريق المؤدي إلى باب النصر في الجهة الشمالية لمدينة حلب القديمة، بنشاط تجاري متنوع كبيع الألبسة القطنية والأحذية وصابون الغار والمكسرات والخياطة والحقائب المدرسية والقرطاسية والبللور والموبيليا.. إلا أن كل تلك النشاطات لم تكن ميدان نشاطه التاريخي.
يقول أبو محمد لـ”سبوتنيك”: “هاد كان أغلبو محلات لبيع الأحذية… تحت عالمفرق (تقاطع الطريق) كان في اثنين (تاجرين) بعرفهم.. بتذكر.. كانوا بياعين (خابية).. وهاد سموه سوق الخابية متل ما منتذكر.. بعني الكبار، بيقولوا قبل 80 سنة كان أغلبوا فيه (خابيات) لهيك سموه سوق الخابية”.
كانت مهنة صناعة (الخابيات)، وهي أواني فخارية تستخدم لتبريد مياه الشرب صيفا، ناشطة في سوريا قبل الحرب الإرهابية، إلا أن اقتناءها اقتصر على محبي التراث وبعض الفعاليات السياحية ضمن ديكوراتها الفولكلورية.
ويبلغ طول (سوق الخابية) نحو 210 أمتار، يتوزع على جانبيها 109 متاجر تم ترميمها ضمن المواصفات العالمية وواقع السوق وطابعه الأثري وفق محددات وضعتها مديرية الآثار والمتاحف.
اليوم، يمر على دخول إبو محمد إلى (سوق الخابية) لأول مرة نحو 50 سنة، تخللها السنوات الخمس التي هجر فيها رزقه وحياته لينجو بعائلته من الإرهاب الذي بدأ يهاجم بشكل متزايد أحياء حلب القديمة في تلك الحقبة البشعة من عام 2012، ليعود إليه في 2017، بعد تطهير أحياء حلب الشرقية من العصابات المسلحة في عملية عسكرية نوعية خاضها الجيش السوري وحلفائه.
ويحوي السوق معالم أثرية بارزة من بينها الحمام الأثري والمدرسة الرضائية وجامع المهمندار، وخلال أيام قليلة، تنتهي عمليات الترميم بالكامل تمهيدا لعودة الحياة التجارية إليه.
ويقوم على مشروع ترميم (سوق الخابية) كل من محافظة حلب والمديرية العامة للآثار والمتاحف، كما ساهمت منظمات دولية عديدة في تمويل تأهيله، منها الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية (SDC) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سورية (UNDP)، والتي قدمت مواد عينية ومبالغ نقدية لأصحاب المحال والورش المتضررة.
عامر قواف، وهو المهندس المكلف من (UNDP) بمتابعة أعمال الترميم، قال لـ”سبوتنيك” أن العمل بدأ نهاية العام الماضي ضمن عدة سياقات لتأمين كافة مستلزمات العمل التجاري في السوق.
وشملت أعمال الترميم التي تبلغ كلفتها نحو 200 مليون ليرة، معظم العناصر الإنشائية المتضررة بفعل الاستهدافات الإرهابية، مثل الأبواب والواجهات الحجرية والسقف المعدني الذي يعود إلى حقبة الاحتلال الفرنسي، عدا البنية التحتية من كهرباء ومياه واتصالات وصرف صحي.
وأشار قواف إلى أن الأعمال الترميمية للسوق تنسجم مع طابع الأثري، وتحتفظ بتناغم بنيانه مع بيئة المدينة القديمة.
وبيّن قواف أن السوق يربط مناطق حيوية من مدينة حلب وأن ترميمه سيعيد ربط تلك المناطق وإعادة الحياة التجارية إلى محاله.
وكانت غرفة تجارة حلب وبالتعاون مع (UNDP)، دعت التجار من أصحاب المحال والورش المتضررة في السوق لتقديم طلباتهم للحصول على الدعم المهني الذي يتضمن المعدات وتجهيزات المحال ومواد أولية تدخل في مجال المتضررين من أصحاب المحال والورش، حيث لاتتجاوز قيمتها 20 بالمئة من قيمة الدعم.
اقرأ أيضا: إعادة افتتاح الأندية الرياضية بعد 3 أشهر من الإغلاق
شكراً لكم لمشاركة هذا المقال.. ضع تعليقك في صفحتنا على موقع فيسبوك