بعد نحو عام وثلاثة أشهر على محاصرة «قسد» أحياء مدينة الحسكة، مطلع العام الفائت، بذريعة الضغط لإدخال المحروقات إلى حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، حيث أغلبية سكّانية كردية، ها هي اليوم تعاود الكرّة، متّهمة الحكومة السورية، هذه المرّة، بمنع دخول الطحين والمازوت إلى الحيَّين الحلبيَين نفسَيهما. واعتادت «قسد»، منذ تأسيسها تقريباً، اتّباع هذا الأسلوب بوجه دمشق، متى ما كانت لديها مطالب موضعية تريد نيلها، سواءً تعلّقت بشؤون مدنية أو عسكرية، وذلك في مقابل جنوح الحكومة نحو الحلول الديبلوماسية، واستبعاد أيّ خيارات تصعيدية لإنهاء الخلافات. ولعلّ أحدث الأمثلة على تلك الممارسات التي تبدو أقرب إلى الابتزاز، اعتقال «قسد» عدداً من أعضاء قيادة فرع حزب «البعث» في الحسكة، على طريق الرقة – الحسكة، للمطالبة بالإفراج عن عدد من القياديات الكرديات اللّواتي تمّ توقيفهن في العاصمة دمشق، في وقت سابق.
وعلى رغم غياب أيّ مؤشّرات إلى فرض الحكومة حصاراً على حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية، إلّا أن «قسد» ضربت حصارها على أحياء وسط مدينة الحسكة الخاضعة لسيطرة الجيش، لتمنع حواجزها دخول الطحين وصهاريج المياه والمحروقات إليها. كما عمدت إلى قطع الطريق الرابط بين المربّع الأمني في مدينة القامشلي والمطار، فضلاً عن قطع طريق الحسكة – القامشلي أمام العسكريين. ولم تكتفِ بذلك، بل استبق ذراعها السياسي، «مجلس سوريا الديمقراطية»، أيّ بيان حكومي، بإصدار بيان قال فيه إن «سياسة الحصار والتجويع ليست جديدة، بل إن المنطقة شهدت عدّة أزمات مشابهة من قِبَل جبهة النصرة والجماعات الإرهابية التي تُدار من تركيا، لتأتي السلطة في دمشق وتستكمل سياسة التجويع الممنهج». واتّهم المجلس «حاجز الفرقة الرابعة عند مدخل الحيّ (الشيخ مقصود – حلب)، بمنع دخول شحنات الطحين المخصّصة، مع نفاد الكميات المخزّنة في المستودعات، ما أدّى إلى عدم تمكّن الأفران من توفير الخبز للأهالي لليوم الخامس على التوالي».
يقود الجانب الروسي وساطة لإنهاء الحصار المفروض على الأحياء الحكومية في الحسكة
لكن مصادر رسمية مسؤولة في مدينة حلب تؤكد، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «الحياة طبيعية في الشيخ مقصود، ولا صحّة لأيّ معلومات تتحدّث عن وجود حصار على الحيّ»، كاشفةً أن «سبب الخلاف هو وجود بعض الأفران غير المرخّصة حكومياً، والتي لا يمكن تزويدها بالطحين والمازوت المدعوميْن، وهو ما اتّخذته ميليشا قسد ذريعةً لتنفيذ حصارها على الحسكة». كما تؤكد أن «الأمر تجري معالجته، وهو في طريقه إلى الحلّ»، مُتوقّعةً أن «يؤدي الأصدقاء الروس دوراً إيجابياً في الحلّ، وإنهاء الحصار المفروض على الحسكة». من جهته، يؤكد محافظ الحسكة، اللواء غسان حليم خليل، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «ميليشيا قسد منعت العاملين في مخبز البعث في القامشلي من الدخول إليه، قبل أن تستولي على المخبز بالقوة»، مضيفاً أنها «تفرض حصاراً على أحياء وسط مدينة الحسكة، مع منع دخول المواد الأساسية من طحين ومحروقات، ما يؤدّي إلى توقّف عمل الأفران، وعدم القدرة على إنتاج رغيف الخبز لآلاف المواطنين». ويلفت خليل إلى أن «هذه الأفران كانت تؤمّن الخبز لمختلف أحياء مدينتَي القامشلي والحسكة، بمعدّل 60 طنّاً يومياً في الأفران العامة».
والظاهر أن «قسد» تريد من وراء تفعيل سياسة الخنق تلك، مرّة بعد أخرى، تذكير الحكومة السورية بأنها هي التي تسيطر على منطقة شرق الفرات، وأنها لن تفرّط بها، فضلاً عن تمسّكها بخيار الاعتراف بـ«الإدارة الذاتية» دستورياً، على طريق أيّ تسوية مقبلة. كذلك، تستهدف «قسد»، من خلال اعتماد أسلوب المقايضة، تثبيت نفسها في موقع ندّي مع الحكومة السورية، فيما يبدو أنها ترغب أيضاً في اختبار ردّة الفعل الروسية، بعد سريان أحاديث عن انكفاء روسي في سوريا، وتحديداً في المنطقة الشرقية، في أعقاب إطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
أيهم مرعي – الأخبار
اقرأ أيضا: مصدر سوري : أوامر عليا ووساطة روسية لفك الحصار عن مدينتي الحسكة والقامشلي