يتفاقم الوضع المعيشي والإنساني في سوريا يوماً بعد يوم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة وانخفاض الدخل، سواء في شمال البلاد أو جنوبها، أو حتى في العاصمة دمشق.
حيث شهد اقتصاد العاصمة تحديداً خلال السنوات العشر الماضية تغيرات هيكلية نتيجة ظروف الحرب والإجراءات الأمنية، وأصبح انتظار الخبز والغاز والوقود في طوابير طويلة مشهداً يومياً مألوفاً، يعكس حالة المواطن السوري.
عمل واحد لا يكفي
أكد “أيمن العلي” البالغ من العمر 50 عاما وهو يعمل كمستخدم ضمن مدرسة أن حال المواطن السوري أضبح مدعاة للبكاء، نظراً لارتفاع الأسعار وغياب المواد الأساسية.
فهو غير قادر على شراء ربطة خبز أو القليل من حبات البيض التي لامست الواحدة منها ال 500ل.س، عدا عن لجوئه لحرق أمتعته للتدفئة في ظل غياب وسائل التدفئة.
كما بين المدرس “محمود سمير” أنه يعمل ضمن فترتي عمل بما يقارب ال 16 ساعة، بسبب ارتفاع الأسعار وعدم قدرته على تأمين مستلزمات أسرته الأساسية من الغذاء واللباس.
في حين كان لمعاناة الطالب الجامعي “أحمد بناني” نوع آخر، معبراً عن عن استيائه من الوضع العام، الذي فرض عليه أعمالاً إضافية، متخلياً عن دراسته الجامعية والعمل ضمن قهوة كمضيف “أراكيل” لتأمين مستلزمات أسرته بعد وفاة والده.
كما لم يكن حال الطالب “مؤيد حيدر” بأفضل من صديقه لاسيما بعد وفاة والده، وقيامه بيبيع أرض صغيرة ورثها عن أبيه لشراء سيارة، ومن ثم العمل عليها، ليؤمن أبسط احتياجات أسرته من طعام ودفع أجرة البيت، مؤكداً أن الأسرة الواحدة تحتاج أكثر من 500 ألف كحد أدنى شهرياً.
بلا معيل
عانت العديد من الأسر السورية، لاسيما التي فقدت أرباب الأسرة من أعباء تأمين حياة كريمة لأفرادها، تخبرنا “سمر غانم” ربة منزل تبلغ من العمر 40 عاماً، لجوءها للاقتصاد في شراء اللحوم، والاستغناء عن المؤونة لعدم كفاية المال الذي تأخذه من راتب زوجها المتوفى في حادث سير، لضمان عدم الحاجة للاستدانة من أحد، إضافة لبيع الممتلكات الخاصة.
كما أكدت “كريمة عمر” مدرسة علوم أنها تقوم باستخدام بدائل التدفئة مثل “الحطب والفحم” وأحياناً جمع الأوراق والكرتون في ظل غلاء أسعار المحروقات، لكونها تعتبر وسيلة رخيصة ومتوفرة.
أجور النقل
تشهد مواقف وتجمعات وسائط النقل من ميكرو باصات وسرافيس طوابير المئات من المواطنين، وازدحامات كبيرة ومتزايدة كل يوم وارتفاع حاد في أسعار أجور التكاسي في ظل الوضع الراهن.
وهو ما أكده الطالب الجامعي أكرم أمين متحدثاً عن معاناته في تأخر وصول وسائل النقل بمدة تتراوح بين النصف ساعة إلى الساعة يوميا ممايؤدي لوصوله متأخراً وعدم قدرته على أخذ تكسي كل يوم.
كما عبرت الممرضة سعاد خميس عن معاناتها المستمرة بأنها تنفق نصف راتبها على سيارات الأجرة، تفادياً للتأخر عن العمل، نظراً لغياب وسائل النقل الأخرى بحجة متكررة، والتي مفادها عدم وجود وقود.
الهروب للخارج
شكل الواقع الاقتصادي المتدني حافزاً لدى الشباب للتفكير بالهجرة لتأمين الأموال ومساعدة أسرهم، بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية وغياب الحلول.
ملك شعبان طالبة جامعية اضطرت لإيقاف دراستها والسفر للخارج، والبدء بمسيرة جديدة لحياتها الدراسية والمهنية، لعدم قدرة والدها على تأمين كل الاحتياجات.
كما لجأ الصحفي محمد ملحم للعمل بمطعم بدوام آخر ليعيل أسرته، متمنياً السفر لعدم قدرته على تأمين أبسط المستلزمات، وقدرته على التوفيق بين عملين مؤمداً بأنه الخيار الأفضل بالنسبة له.
آثار مدمرة
بات غالبية السوريين تحت خط الفقر، بعد عشر سنوات من الحرب التي أنهكت الاقتصاد ومقدّراته، وهو ما بينه وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور سامر الخليل حيث أكد أن ما مر على سورية، وتدمير البنية التحتية، أدت لسوء الوضع الاقتصادي والخسائر الكبيرة التي تعرضت لها.
كما أوضح المحلل الاقتصادي سمير بح أن هذا الأمر أدى لنقص السلع والمواد الغذائية، ومن المستحيل تأمين كافة مستلزمات في ظل الوضع الراهن، لأنه يحتاج لوقت طويل.
وبدوره أشار المحلل الاقتصادي عبدالله عبدالله أن قلة الرواتب وارتفاع الأسعار وغلاء المواصلات ورفع الدعم أوجب وضع استراتيجية جديدة تحكم الأمور بموازنة جديدة تتمثل بزيادة الرواتب مع الوضع المعيشي،وبأنه تم تخصيص أكثر من 5,5 مليار ليرة (2,2 مليار دولار) لبرنامج الدعم الاجتماعي، والذي يشمل المحروقات والقمح والسكر والأرز بشكل أساسي.
وتستمر المساعي بأن يتم حل هذه المشاكل المعيشية التي أصبحت جزء من حياتنا اليومية والتي تتفاقم كل يوم عن سابقه، فهل ممكن أن نشهد حلول جذرية على أرض الواقع؟
اقرأ أيضا: سورية تبحث التبادل التجاري مع البرازيل